وأما رابعاً: فلأن الإمام إذا أحدث في الصلاة فذهب للتوضؤ فلا بدَّ له أن يستخلف فلو لم يستخلف فسدت صلاته وصلاة من اقتدى به كما هو مصرَّح في موضعه، ولم يُنقل في الأخبار أنه عليه السلام استخلف أحداً، فكيف يستقيم الأمر. وأما خامساً: فلأنه ورد في حديث أبي هريرة: ثم رجع إلينا ورأسه يقطر ماءً فكبَّر. وهذا نص في أنه لم يبنِ على ما سبق، بل استأنف التكبير. وكيف يجوز له البناء على التكبير السابق إن ثبت أنه خرج بعد ما كبَّر؟ فإنه كان قد أدّاه على غير طهارة، ولا يجوز البناء على ما أداه بغير طهارة، بل على ما أدّاه بطهارة. وبالجملة إذا جُمعت طرق حديث الباب ونُظر إلى ألفاظ رواياته وحُمل بعضها على بعض عُلم قطعاً أنه لا يصلح لاستنباط ما استنبطه محمد رحمه الله. وبه يظهر أنه لا يصح إدخال هذا الحديث في باب الحدث في الصلاة (قال شيخنا في الأوجز ١/٢٩٤: إن رواية الموطأ هذه ورواية الصحيحين المذكورة لو حملتا على أنهما واقعة واحدة فلا إشكال أصلاً، إلاَّ أن الظاهر عندي أنهما واقعتان مختلفتان، ولما كان عند الإمام مالك حكم الحدث السابق واللاحق واحداً، يعني إذا صلّى الإمام ناسياً محدثاً أو جنباً ثم تذكَّر، وكذلك إذا أحدث في وسط الصلاة ففي كلا الحالين تفسد صلاته عند المالكية، ولا يجوز البناء، فلذا ذكر هذا الحديث في إعادة الصلاة لأن (كبّر) لو حمل على ظاهره بطلت الصلاة عند المالكية أيضاً وتجب الإعادة فيصح إدخال الحديث في باب الإعادة. وأما عند الحنفية، فحديث الباب ليس من باب الجنابة بل من باب سبق الحدث في الصلاة ولذا أدخله الإمام محمد في "موطئه".. وليست هذه قصة الجنابة المذكورة في الصحيحين وغيرهما، وإيرادات العلاّمة عبد الحيّ في حاشية "الموطأ"، من المستغربات. وقد تقدم أنَّ عياضاً والقرطبي والنووي وابن حبان كلهم قالوا بتعدد القصة، وما أورد الشيخ عبد الحيّ على استنباط الإمام محمد، فمبنيّ على وحدة القصتين إلاّ قوله: ولم ينقل أنه استخلف أحداً، وأنت خبير بأنَّ اتحاد القصتين خلاف ما عليه الجمهور وعدم النقل لشيء يغاير نقل العدم والحجة في الثاني دون الأول، وحديث الباب في حمله على قصة الجنابة مع شروع الصلاة مشكل على الجمهور كلهم كما تقدم من أقوال الحنفية والمالكية، وقال الشافعي: لو أن إماماً صلّى ركعة ثم ذكر أنه جنب، فخرد واغتسل وانتظره القوم وبنى على الركعة الأولى فسدت عليه وعليهم صلاتهم لأنهم يأتمّون به عالمين أن صلاته فاسدة وليس له أن يبني على ركعة صلاها جنباً، ولو علم بعضهم دون بعض فسدت صلاة من علم. اهـ. وكذلك عند الحنابلة، فعُلم أنَّ حديث الباب في حمل قوله: (كبَّر) على معناه الحقيقي لا يوافق أحداً من الأئمة، فإما أن يحمل على المجاز من قوله أراد (أن يكبر) ، أو يحمل على تعدُّد القصَّة. اهـ. مختصراً) ، لأنه لم يكن هناك