للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنِّي امرأةٌ أُطيل (١) ذَيْلي، وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ (٢) القَذِر (٣) ، فَقَالَتْ (٤) أُمُّ سَلَمَةَ: قَالَ (٥) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُطَهِّرُهُ (٦) مَا بَعْدَهُ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: لا بَأْسَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يعلق بالذيل قذر، فيكون أكثر


"المرقاة" قلت: الحديثان متباعدان لا كما قيل إنهما متقاربان، فإنَّ الأول مطلق قابل لأن يتقيد باليابس، وأما الثاني فصريح في الرطب، وما قاله أحمد ومالك التأويل لا يشفي الغليل، ولو حمل على أنه من باب طين الشارع وأنه طاهر أو معفوّ عنه لعموم البلوى لكان له وجه وجيه لكن لا يلائمه قوله: أليس بعدها إلى آخره، فالمخلص ما قاله الخطابي من أن في إسناد الحديثين معاً مقالاً لأن أم ولد إبراهيم وامرأة من بني عبد الأشهل مجهولتان لا يُعرف حالهما في الثقة والعدالة فلا يصح الاستدلال بهما، انتهى، وقال أيضاً: من الغريب قول ابن حجر: وزَعْمُ أن جهالة تلك المرأة تقتضي رد حديثها ليس في محله لأنها صحابية وجهالة الصحابة لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول فإنه عدول عن الجادَّة لأنها لو ثبت أنها صحابية لما قيل إنها مجهولة (مرقاة المصابيح ٢/٧٧) ، انتهى. أقول: هذا عجيب جداً فإن الحديث الثاني عنوانه ينادي على أن تلك المرأة السائلة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صحابية حيث شافهته وسألته بلا واسطة، لكن لما لم يطَّلعوا على اسمها ونسبها قالوا إنها مجهولة، فهذا لا يقدح في كونها صحابية، ولا يلزم من كونها صحابية أن يُعلم اسمها ورسمها، وهذا أمر ظاهر لمن له خبرة بالفن، وقد صرح به القاري نفسه في مواضع بأن جهالة الصحابي لا تضر، فكيف يعتقد ههنا المنافاة بين الجهل وبين الصحابية، فظهر أن ما ذكره من المخلص ليس بمخلص، بل المخلص أن يُحمل حديث أم سلمة على القذر اليابس كما حمله عليه جماعة، والثاني على تنجُّس النعل والخف ونحو ذلك مما يطهر بالدلك في موضع طاهر إذ ليس فيه تصريح بالذيل.
(٥) أي في جواب مثل هذا السؤال.
(٦) أي الذيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>