علماء الأندلس وآخر أئِمتها وحُفّاظها، لقيته بمدينة إشبيلية ضحوة يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الآخرة سنة ست عشرة وخمسمائة، فأخبرني أنه رحل مع أبيه إلى المشرق يوم الأحد مستهل الربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وأنه دخل الشام، ولقي بها أبا بكر محمد بن الوليد الطرطوشي، وتفقه عنده، ودخل بغداد، وسمع بها جماعة من أعيان مشايخها، ثم دخل الحجاز، فحج في موسم سنة ٤٨٩ هـ، ثم عاد إلى بغداد، وصحب بها أبا بكر الشاشي وأبا حامد الغزالي، ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين، فكتب عنهم، ثم عاد إلى الأندلس سنة ٤٩٣ هـ، وقدم إلى إشبيليا بعلم كثير لم يدخل أحد قبله بمثله ممن كانت له رحلة بالمشرق، وكان من أهل التفنن في العلوم والجمع لها، مقدَّماً في المعارف، متكلّماً في أنواعها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها، ويجمع إلى ذلك كلِّه آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة ولين الكنف، واستُقضي ببلده فنفع الله به أهله، ثم صُرف عن القضاء، وأقبل على نشر العلم وبثِّه، وسألته عن مولده، فقال: ليلة الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة، وتوفي بالعدوة، ودفن بمدينة فاس في الربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. انتهى كلام ابن بشكوال، قلت أنا: وهذا الحافظ له مصنفات، منها "عارضة الأحوذي في شرح جامع الترمذي"(طبع بمصر في (١٣) مجلداً سنة ١٩٣١ م؛ وطبع في الهند سنة ١٢٩٩ هـ، ضمن مجموعة فيها أربعة شروح على جامع "الترمذي". انظر"معجم المطبوعات"(١٩٧٧) وغيره، والعارضة: القدرة على الكلام، والأحوذي: الخفيف في الشيء لحذقه. انتهى كلام ابن خلكان بتلخيصه (وفيات الأعيان ٤/٢٩٦، ٢٩٧) . ونسبته إلى إشبيلية بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة، بلدة من أمهات بلاد الأندلس. والمعافري: نسبة إلى معافر، بفتح الأول، وكسر الرابع، بطن من قحطان. كذا في "الأنساب". (٢/١٩، ٢٠) .
فائدة: رأيت في بعض شروح"مناسك النووي" أن ابن عربي اشتهر به اثنان: أحدهما: القاضي أبو بكر هذا، وثانيهما: صاحب الولاية العظمى والرواية الكبرى، محيي الدين بن عربي، مؤلف "الفتوحات المكية"، و"فصوص الحِكَم"