للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأهل الشام، الذابين عن بيضته، التاركين لمحارمه، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق، المنتهكين لمحارم الله، والمحلي ما حرم الله، والمحرمين ما أحل الله" فقال عبد الله بن الكواء: "يابن أبي سفيان، إن لكل كلام جوابا، ونحن نخاف جبروتك، فإن كنت تطلق ألسنتنا ذببنا عن أهل العراق، بألسنة حداد، لا يأخذها في الله لومة لائم، وإلا فإنا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فَرَجه" قال: "والله لا يُطلق لك لسان".

ثم تكلم صعصعة فقال: "تكلمت يابن أبي سفيان، فأبلغت، ولم تقصر عما أردت، وليس الأمر على ما ذكرت، أني يكون الخليفة من ملك الناس قهرا، ودانهم١ كبرا، واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا؟ أما والله مالك في يوم بدر مضرب ولا مرمى٢، وما كنت فيه إلا كما قال القائل: "لا حُلِّي ولا سيرى"، ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير٣ ممن أجلب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما أنت طليق ابن طليق٤، أطلقكما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنى تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية: "لولا أني أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول:


١ دانه: ملكه وأذله واستعبده.
٢ أي مالك ضرب ولا رمى.
٣ العير: الإبل تحمل الميرة، والمراد بها هنا عير قريش التي كان يقودها أبو سفيان بن حرب -وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تحين انصرافها من الشام- فلما دنا أبو سفيان من المدينة، وعرف أن عيون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترصده ساحل بعيره "أتى بها الساحل" وترك بدرًا يسارًا، وقد كان بعث إلى قريش حين فصل من الشام يخبرهم بما يخافه من محمد، فأقبلت قريش من مكة، فأرسل إليهم أبو سفيان يخبرهم أنه قد أحرز العير "أي حصَّنها" ويأمرهم بالرجوع، فأبت قريش أن ترجع، ورجعت بنو زهرة وعدلوا إلى الساحل منصرفين إلى مكة، فصادفهم أبو سفيان فقال: يا بني زهرة لا في العير ولا في النفير "فذهبت مثلا" قالوا: أنت أرسلت إلى قريش أن ترجع، ومضت قريش إلى بدر، فقاتلهم النبي، وأظفره الله بهم، والنفير: القوم يستنفرون للحرب وهم هنا مشركو مكة الذين خرجوا يستنقذون العير، وكان رئيسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس جد معاوية لأمه.
٤ الطلقاء: هم الذي عفا عنهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد فتح مكة، فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>