دخل صالح بن عبد الجليل على المهدي، فسأله أن يأذن له في الكلام، فقال: تكلم فقال:
"إنه لما سَهُل علينا ما توعَّر على غيرنا من الوصول إليك، قُمْنا مقام الأداء عنهم وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإظهار ما في أعناقنا من فريضة الأمر والنهي، عند انقطاع عُذْر الكتمان، ولا سيَّما حين اتسمت بميسَم التواضع، ووعدتَ الله وحَمَلَةَ كتابه إيثار الحق على ما سواه، فَجَمَعَنا وإياك مشهدٌ من مشاهد التمحيص، ليتم مؤدِّينا على موعود الأداء عنهم، وقابِلُنا على موعود القَبُول، أو يزيدنا تمحيص الله إيانا في اختلاف السر والعلانية، ويُحَلِّينا حلية الكذابين، فقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون:"من حجب الله عنه العلم، عذَّبه على الجهل، وأشد منه عذابًا مَنْ أقبل إليه العلم وأدبر عنه، ومن أهدى الله إليه علما فلم يعمل به، فقد رَغِب عن هديَّة الله وقصَّر بها"، فاقْبَل ما أهدى الله إليك من ألسنتنا، قبولَ تحقيق وعمل، لا قبولَ سُمْعَة ورياء، فإنه لا يَعْدمك منا إعلامٌ لما تجهل، أو مواطأة على ما تعلم، أو تذكير لك من غفلة، فقد وطن الله -عز وجل- نبيه -عليه الصلاة والسلام- على نزولها، وتعزيةً عما فات، وتحصينًا من التمادي، ودلالة على المخرج، فقال:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فَأَطْلِع الله على قلبك، بما ينور الله به القلوب، من إيثار الحق، ومنابذة الأهواء فإنك إن لم تفعل ذلك يُرَ أثرك وأثر الله عليك فيه، لا حول ولا قوة إلا بالله".