للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٥٢- خطبته في قوم كانوا عنده:

وحدث رجل من بني تميم قال: حضرت مجلس الأحنف بن قيس، وعنده قوم مجتمعون في أمر لهم؛ فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

"إن الكرم يمنعُ الحُرَم١، ما أقربَ النقمةَ من أهلِ البغِي، لا خيرَ في لذة تُعْقِبُ ندمًا، لن يهلك من قَصَدَ٢، ولن يفتقِرَ من زهد، رُبَّ هزل قد عاد جِدًّا، من أمن الزمان خانَه، ومن تعظَّم عليه أهانَه، دعُوا المزاحَ؛ فإنه يُورِثُ٣ الضغائنَ، وخيرُ القولِ ما صَدَّقَهُ الفعلُ، احتملوا لمن أدلَّ عليكم، واقبلوا عذرَ من اعتذرَ إليكم. أطعْ أخاك وإن عصاك، وَصِلْهُ وإن جفاك، أنصفْ من نفسِك قبل أن يُنتصفَ منك، وإياكم ومشاورةَ النساء، واعلم أن كفر النعمةِ لؤمٌ، وصحبةَ الجاهلِ شؤمٌ، ومن الكرم الوفاء بالذمم، ما أقبح القطيعةَ بعد الصلة، والجفاءَ بعد اللَّطَف٥، والعداوةَ بعد الود! لا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا إلى البخل أسرع منك إلى البذل، واعلم أن لك من دنياك ما أصلحت به مثواك٦؛ فأنفق في حق، ولا تكونن خازنا لغيرِك، وإذا كان الغدرُ في الناس موجودًا، فالثقة بكل أحد عجز، اعرف الحقد لمن عرفه لك، واعلم أن قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل".

"الأمالي ٢: ٢٢"


١ الحُرم: جمع حرمة بالضم، وهي ما لا يحل انتهاكه.
٢ القصد والاقتصاد: ضد الإفراط
٣ التأريث: إيقاد النار.
٤ تدلل.
٥ اللطف: اسم من اللطف بالضم.
٦ آخرتك.

<<  <  ج: ص:  >  >>