للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨- خطبة منذر بن سعيد البَلُّوطِي ١ المتوفى سنة ٣٥٥هـ:

في الاحتفال بقدوم رسل ملك الروم:

روى المؤرخون أن الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله٢، بلغ من عزَّة الملك، ورفعة السلطان بالأندلس، أن كانت ملوك الروم والإفرنجة تَزْدَلِف إليه، تطلب مُهَادَنَته، وتهدي إليه أنفس الذخائِر، ومن جملتهم قسطنطين بن ليون صاحب القسطنطينية، فقد رَغِب في موادعته، وبعث إليه سنة٣٣٨هـ وفدًا من قبله بهدية له، فتأهَّب الناصر لورودهم، واحتفل بقدومهم احتفالًا رائعًا، أحبَّ أن يقوم فيه الخطباء والشعراء بين يديه؛ لتَذْكر جلالة ملكه، وعظيم سلطانه، وتصف ما تهيأ من توطيد الخلافة في دولته، وتقدم إلى الأمير الحَكَم ابنه ووليّ عهده، بإعداد من يقوم بذلك من الخطباء، فأمر الحكم صنيعَه الفقيه محمد بن عبد البرّ بالتأهَّب لذلك، وكان يدَّعي من القدرة على تأليف الكلام ما ليس في وسع غيره، وحضر المجلس السلطاني، فلما قام يحاول التكلم، بَهَره هول المقام، وأُبَّهَة الخلافة، فلم يهتد إلى لفظة، بل غُشِى عليه وسقط إلى الأرض، فقيل لأبي عليّ القالي -صاحب الأمالي وهو حينئذ ضيف الخليفة الوافد عليه من العراق: قم فارقع هذا الوَهْيَ٣، فقام فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على نبيه -صلى الله عليه وسلم- ثم انقطع به القول، فوقف ساكتا متفكِّرا


١ ولد سنة ٢٦٥هـ، وتوفي سنة٣٥٥هـ، وكان خطيبًا بليغًا عالمًا بالجدل حاذقًا فيه، شديد العارضة حاضر الجواب عتيده، ثابت الحجة، ولى بقرطبة قضاء الجماعة -المعبر عنه في المشرق بقضاء القضاة- لعبد الرحمن الناصر، ثم لابنه الحكم المستنصر، ستة عشر عامًا من سنة ٣٣٩ إلى سنة ٣٥٥، لم يحفظ عليه فيها جور في قضية، ولا قسم بغير سوية، ولا ميل لهوى.
٢ هو عبد الرحمن الثالث ابن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الثاني ابن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، وحكم الأندلس من سنة ٣٠٠هـ إلى سنة ٣٥٠هـ، وهو أول من تسمى من أمراء بني أمية بالأندلس بأمير المؤمنين عندما الْتَاثَ أمر الخلافة بالمشرق، وغلب موالي الترك على بني العباس، وبلغه أن المقتدر قتله مولاه مؤنس المظفر سنة ٣١٧هـ.
٣ الوهى: الشق في الشيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>