للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطبته حين قتل عمر الأشدق بن سعيد بن العاص]

...

١٦٨- خطبته حين قتل عمرا الأشدق بن سعيد بن العاص: ١

"ارموا بأبصاركم نحو أهل المعصية، واجعلوا سلفكم لمن غبر منكم عظة، ولا تكونوا أغفالا٢ من حسن الاعتبار، فتنزل بكم جائحة٣ السطوات، وتجوس خلالكم بوادر النقمات، وتطأ رقابكم بثقلها العقوبة، فتجعلكم همدا رفاتا٤، وتشتمل عليكم بطون الأرض أمواتًا، فإياي من قول قائل، ورشقة جاهل، فإنما بيني وبينكم أن أسمع النغوة٥، فأصمم تصميم الحسام المطرور٦، وأصول صيال الحنق الموتور٧، وإنما هي المصافحة والمكافحة، بظبات السيوف وأسنة الرماح، والمعاودة لكم بسوء الصباح، فتاب تائب، وهدل خائب٨، والتوب مقبول، والإحسان مبذول،


١ وذلك أنه لما كانت الفتنة بعد موت معاوية الثاني، وانحاز الضحاك بن قيس الفهري عن مروان بن الحكم، واستمال الناس ودعا إلى ابن الزبير، التقى وعمرو بن سعيد الأشدق "وهو عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف" فقال الأشدق لمروان: هل لك فيما أقوله لك؟ فهو خير لي ولك، فقال مروان: وما هو؟ قال: أدعو الناس إليك وآخذها لك على أن تكون لي من بعدك، فقال مروان: لا بل بعد خالد بن يزيد بن معاوية، فرضي الأشدق بذلك، ودعا الناس إلى بيعة مروان فأجابوا، وبايع مروان بعده لخالد بن يزيد، ولعمرو بن سعيد بعد خالد، ثم مات مروان وخلفه ابنه عبد الملك؛ ولما اعتزم عبد الملك أن يخرج إلى العراق لقتال مصعب بن الزبير بنفسه قال له عمرو: إنك تخرج إلى العراق، وقد كان أبوك وعدني هذا الأمر من بعده، وعلى ذلك جاهدت معه، وقد كان من بلائي معه ما لم يخف عليك، فاجعل لي هذا الأمر من بعدك، فلم يجبه عبد الملك إلى شيء، فلما كان من دمشق على ثلاث مراحل أغلق عمرو بن سعيد دمشق وخالف عليه، فرجع إلى دمشق وحاصرها حتى صالح عمرو بن سعيد على أنه الخليفة بعده، ففتح له، ثم إن عبد الملك احتال له حتى قتله سنة ٦٩.
٢ غبر: بقي، وأغفال جمع غفل كقفل.
٣ الجوح والاجتياح: الإهلاك والاستئصال.
٤ الهامد: البالي من كل شيء، والرفات: الحطام.
٥ النغوة والنغية: أول الخبر قبل أن تستثبته.
٦ المشحوذ، من الطر: وهو تحديد السكين وغيرها.
٧ صاحب الوتر: وهو الثأر.
٨ هدله يهدله كضربه: أرخاه، وهدل المشفر كفرح: استرخى أي ضعف الخائب وخار، ولعله حائب من الحوب بفتح الحاء وضمها وهو الإثم. حاب بكذا أثم حوبا أي ضعف الأثيم المذنب.

<<  <  ج: ص:  >  >>