للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧٣- خطبة أبي موسى الأشعري:

فلما سمع أبو موسى الأشعري خطبة الحسن وعمار، قام فصعد المنبر، وقال:

الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد؛ فجمعنا بعد الفرقة، وجعلنا إخوانًا متحابين بعد العداوة، وحرم عليا دماءنا وأموالنا، قال الله سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} فاتقوا الله عباد الله. وضعوا أسلحتكم، وكفوا عن قتال إخوانكم.

أما بعد، يأهل الكوفة إن تطيعوا الله باديًا، وتطيعوني ثانيًا تكونوا جرثومة١ من جراثيم العرب، يأوي إليكم المضطر، ويأمن فيكم الخائف، إن عليًا إنما يستنفركم لجهاد أمكم عائشة وطلحة والزبير حواري رسول الله ومن معهم من المسلمين، وأنا أعلم بهذه الفتن. إنها إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت أسفرت، إني خائف عليكم أن يلتقي غاران منكم، فيقتتلا، ثم يتركا كالأحلاس الملقاة بنجوة من الأرض لا يدرى من أين تؤتى، تترك الحليم حيران، كأني أسمع رسول الله صلى الله عليه وآله بالأمس يذكر الفتن فيقول: أنت فيها نائمًا خير منك قاعدًا، وأنت فيها جالسًا خير منكم قائمًا، وأنت فيها قائمًَا خير منك ساعيًا، فثلموا سيوفكم، وقصفوا رماحكم، وأنصلوا٢ سهامكم، وقطعوا أوتاركم، وخلوا قريشًا ترتق فتقها، وترأب صدعها، فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت، وإن أبت فعلى أنفسها ما جنت، سمنها في أديمها، واستنصحوني ولا تستغشوني، وأطيعوني ولا تعصوني، يتبين لكم رشدكم، وتصلى هذه الفتنة من جناها.

"شرح ابن الحديد م ٢٩٣".


١ جرموثة الشيء: أصله.
٢ أنصل السهم، ونصله بالتشديد: جعل فيه نصلًا وأزاله عنه –ضد-.

<<  <  ج: ص:  >  >>