ولما دنا منه القوم دعا براحلته فركبها، ثم نادى بأعلى صوته:
"أيها الناس: اسمعوا قولي، ولا تُعجلوني حتى أعظكم، بما لِحَقٍّ لكم عليَّ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري، وصدقتم قولي، وأعطيتموني النَّصَفَ، كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليَّ سبيلٌ، وإن لم تقبلوا مني العذر، ولم تعطوا النصف من أنفسكم. فأجمعوا أمركم وشركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إليَّ ولا تنظرون، إن وَليِّيَ اللهُ الذي نزَّل الكتاب وهو يتولى الصالحين".
فلما سمع أخَواتُهُ كلامَهُ هذا صِحْن وبَكَيْنَ وَبَكَى بناتُهُ، فارتفعَتْ أصواتُهُنَّ، فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي وعَلِيًّا ابنه، وقال لهما: أسكتاهن، فلعمري لَيَكْثُرَنَّ بكاؤهن.