للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٣- خطبة عتبة بن غزوان:

وفي سنة ١٤هـ وجه عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان إلى البصرة وأمره بنزولها بمن معه وقطع مادة أهل فارس عن الذين بالمدائن ونواحيها منهم؛ فرفعوا له منبرًا وقام يخطب فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:

"أما بعد: فإن الدنيا قد تولت حذاء١ مدبرة، وقد آذنت أهلها بصرم٢؛ وإنما بقي منها صبابة٣ كصبابة الإناء يصطبها صاحبها، ألا وإنكم مفارقوها لا محالة، ففارقوها بأحسن ما يحضركم، ألا وإن من العجب أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الحجر الضخم يلقى في النار من شفيرها٤، فيهوي فيها سبعين خريفًا٥، ولجهنم سبعة أبواب ما بين البابين منها مسيرة خمسمائة سنة، ولتأتين عليها ساعة وهي كظيظ٦ بالزحام، ولقد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سابعة، ما لنا طعام إلا ورق البشام٧، حتى قرحت أشداقنا؛ فوجدت أنا وسعد بن مالك تمرة، فشققتها بيني وبينه نصفين، والتقطت بردة فشققتها بيني وبينه، فأتزرت بنصفها، وأتزر بنصفها، وما منا أحد اليوم إلا وهو أمير على مصر من الأمصار، وإنه لم يكن نبوة قط إلا تناسختها٨ جبرية، وأنا أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيمًا، وفي أعين الناس صغيرًا، وستجربون الأمراء من بعدي، فتعرفون وتنكرون".

"تاريخ الطبري ٤: ١٤٩ والعقد الفريد ٢: ١٥٦، والبيان والتبيين ٢: ٢٧، والكامل لابن الأثير ٢: ١٨٨".


١ السريعة الماضية التي لا يتعلق بها شيء.
٢ آذنت: أعلمت، والصرم: القطع.
٣ الصبابة: بقية الماء في الإناء.
٤ الشفير: حرف كل شيء
٥ سنة: والمراد أنها بعيدة الأقطار شاسعة الأرجاء.
٦ من كظه الطعام: ملأه حتى لا يطيق النفس، ورجل كظ وكظيظ ومكظوظ تبهظه الأمور حتى يعجز عنها.
٧ البشام: شجر عطر الرائحة يستاك به.
٨ في الحديث "لم تكن نبوة إلا تناسخت" أي تحولت من حال إلى حال، يعني أمر الأمة وتغاير أحوالها، والجبرية الجبروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>