للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٠- استعطاف أم جعفر بن يحيى للرشيد:

روى صاحب العقد قال:

"كانت أم جعفر بن يحيى١ -وهي فاطمة بنت محمد بن الحسين بن قَحْطبة- أرضعت الرشيد مع جعفر؛ لأنه كان رُبِّيَ في حجرها، وغُذِّيَ بِرِسْلها٢، ولأن أمه ماتت عن مهده، فكان الرشيد يشاورها مُظهِرًا لإكرامها، والتبرك برأيها، وكان آلى وهو في كفالتها أن لا يحجُبها، ولا استشفعته لأحد إلا شفَّعها، وآلت عليه أمُّ جعفر أن لا دخلت عليه إلا مأذونًا لها، ولا شفعت لأحد مقترف ذنبًا، فكم أسير فكَّت ومُبْهم عنده فتحت، ومستغلق منه فرَّجت، واحتجب الرشيد بعد قدومه٣، فطلبت الإذن عليه من دار الباقونة، ومتَّت٤ بوسائلها إليه، فلم يأذن لها، ولا أمر بشيء فيها، فلما طال ذلك بها خرجت كاشفة وجهها، واضعة لثامها، محتفية٥ في مشيها، حتى صارت بباب قصر الرشيد، فدخل عبد الملك بن الفضل الحاجب،


١ كان البرامكة قد استأثروا بشئون الدولة وأموالها، وغلبوا الرشيد على سلطانه، ولم يكن له معهم تصرف في ملكه، ولم يبق له من الخلافة إلا رسمها وصورتها -وحديثهم في ذلك طويل، ليس ههنا موضعه- فعزم على نكبتهم، حتى انتهز فرصة رجوعه معهم من الحج سنة ١٨٧، فقتل جعفر ليلًا في طريقه، وقبض على يحيى وابنه الفضل وبقية البرامكة، وحبسهم في سجن الزنادقة إلى أن ماتوا فيه، واستصفى أموالهم وضياعهم.
٢ الرسل: اللبن.
٣ أي من الحج.
٤ توسلت.
٥ احتفى: مشى حافيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>