للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٨٠- وصية عبد الحميد بن يحيى الكاتب للكتاب:

كتب عبد الحميد بن يحيى الكاتب١ رسالة إلى الكتاب يوصيهم فيها، قال "أما بعد حفظكم الله يا أهل صناعة الكتابة، وحاطكم ووفقكم وأرشدكم، فإن الله عز وجل جعل الناس بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، ومن بعد الملوك المكرمين أصنافًا، وإن كانوا في الحقيقة سواء، وصرفهم في صنوف الصناعات، وضروب المحاولات، إلى أسباب معايشهم، وأبواب أرزاقهم، فجعلكم معشر الكتاب في أشرف الجهات، أهل الأدب والمروءة والعلم والرواية، بكم تنتظم للخلافة محاسنها، وتستقيم أمورها، وبنصائحكم يصلح الله للخلق سلطانهم، وتعمر بلادهم، لا يستغني الملك عنكم، ولا يوجد كاف إلا منكم، فموقعكم من الملوك موقع أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصارهم التي بها يبصرون، وألسنتهم التي بها ينطقون، وأيديهم التي بها يبطشون، فأمتعكم الله بما خصكم من فضل صناعتكم، ولا نزع عنكم ما أضفاه٢ من النعمة عليكم.

وليس أحد أحوج إلى اجتماع خلال الخير المحمودة، وخصال الفضل المذكورة المعدودة منكم أيها الكتاب، إذا كنتم على ما يأتي في هذا الكتاب من صفتكم، فإن الكاتب يحتاج من نفسه، ويحتاج منه صاحبه الذي يثق به في مهمات أموره، أن يكون حليمًا في موضع الحلم، فهيمًا في موضع الحكم، مقدامًا في موضع الإقدام، محجامًا في موضع الإحجام، مؤثرًا للعفاف، والعدل والإنصاف، كتومًا للأسرار، وفيا عند


١ هو عبد الحميد بن يحيى العامري، كاتب دولة مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين، قتله السفاح سنة ١٣٢هـ.
٢ أسيغه.

<<  <  ج: ص:  >  >>