للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٣٥- خطبته حين أراد عبد الملك أن يترضّى أهل العراق:

ولما نزل ابن الأشعث بدير الجماجم، واجتمع أهل الكوفة، وأهل البصرة، وأهل الثغور والمسالح١ بدير الجماجم والقراء من أهل المِصْرَين، واجتمعوا جميعًا على حرب الحجاج، جمعهم عليه بغضُهم وكراهيتُم له، وهم إذ ذاك مائة ألف مقاتل؛ ممن يأخذ العطاء، ومعهم مثلهم من مواليهم، واشتد القتال بين الفريقين، بعث عبد الملك بن مروان ابنه عبد الله وأخاه محمدًا، وأمرهما أن يعرضا على أهل العراق نزع الحجاج عنهم، وأن يجري عليهم أعطياتهم، كما تجري على أهل الشام، وأن ينزل ابن الأشعث أي بلد من العراق شاء، يكون عليه واليًا ما دام حيًّا، وكان عبد الملك واليًا؛ فعرضا ذلك على أهل العراق، فقالوا: نرجع العشية، فاجتمعوا عند ابن الأشعث؛ فلم يبق قائد، ولا رأس قوم، ولا فارس إلا أتاه.

فحمد الله ابن الأشعث، وأثنى عليه، ثم قال:

"أما بعد: فقد أعطيم أمرًا، انتهازكم اليوم إياه فرصة، ولا آمن أن يكون على ذي الرأي غدًا حسرة، وإنكم اليوم على النصف، وإن كانوا اعتدوا بالزاوية؛ فأنتم تعتدون عليهم بيوم تُسْتَر، فاقبلوا ما عرضوا عليكم، وأنتم أعزاءُ أقوياءُ، والقوم لكم هائبون، وأنتم لهم منتقصون، فلا واللهِ لا زلتم عليهم أجرئاء، ولا زلتم عندهم أعزاء، إن أنتم قبلتم أبدًا ما بقيتم".

فوثب الناس من كل جانب، فقالوا: إن الله قد أهلكهم؛ فأصبحوا في الأزل٢ والضنك والمجاعة والقلة والذلة، ونحن ذوو العدد الكثير، والسعر الرفيع، والمادة القريبة لا واللهِ لا نقبل، فأعادوا خلع عبد الملك ثانية، وكان ما كان مما أسلفنا لك ذكره.

"تاريخ الطبري ٨: ١٥"


١ جمع مسلحة بالفتح، وهي الثغر.
٢ الضيق والشدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>