للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٨٠- خطبة أخرى:

وروى المسعودي في مروج الذهب، أنه لما أفضى إليه الأمر، كان أول خطبة خطب الناس بها أن قال:

"أيها الناس، إنما نحن من أصول قد مضت فروعها، فما بقاء فرع بعد أصله؟ وإنما الناس في هذه الدنيا أغراض تنتضل١ فيهم المنايا، وهم فيها نصب المصائب، مع كل جرعة شرق٢، وفي كل أكلة غصص، لا ينالون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يعمر معمر منكم يومًا من عمره إلا بهدم آخر من أجله".

وأورد القالي في الأمالي هذه الخطبة بصورة أطول، وهي:

"ما الجزع مما لا بد منه، وما الطمع فيما لا يرجى، وما الحيلة فيما سيزول؟ وإنما الشيء من أصله، فقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها، فما بقاء فرع بعد أصله؟ إنما الناس في الدنيا أغراض تنتضل فيهم المنايا، وهم فيها نهب للمصائب، مع كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص، ولا ينالون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يعمر معمر يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله، وأنتم أعوان الحتوف على أنفسكم، فأين المهرب مما هو كائن؟، وإنما نتقلب في قدرة الطالب، ما أصغر المصيبة اليوم، مع عظيم الفائدة غدا، وأكبر خيبة الخائب فيه، والسلام".

"مروج الذهب ٢: ١٦٨، والأمالي ٢: ١٠٢، وسيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص٢١٣".


١ جمع غرض: وهو الهدف، وانتضلت: تناضلت وتبارت في الرمي.
٢ شرق بريقه: غص.

<<  <  ج: ص:  >  >>