للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢٣- خطبة السيدة أم كلثوم بنت عليِّ في أهل الكوفة بعد مقتل الحسين عليهم السلام:

لما قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام، وأدخل النسوة من كربلاء إلى الكوفة جعلت نساؤها يلتدمن١، ويهتكن الجيوب عليه، فرفع علي بن الحسين عليهما السلام رأسه، وقال بصوت ضئيل -وقد نحل٢ من المرض- يأهل الكوفة إنكم تبكون علينا، فمن قتلنا غيركم؟ وأومأت أم كلثوم بنت عليٍّ عليهما السلام إلى الناس أن اسكتوا، فلما سكنت الأنفاس، وهدأت الأجراس٣، قالت.

"أبدأ بحمد الله، والصلاة والسلام على نَبِيَهْ٤، أما بعد: يأهل الكوفة يأهل الختر٥ والخذل، لا، فلا رقأت٦ العبرة، ولا هدأت الرنة٧، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا٨، تتخذون أيمانكم دخلا٩ بينكم، ألا وهل فيكم إلا الصلف١٠ والشنف١١، وملق١٢ الإماء، وغمز الأعداء، وهل أنتم


١ لدمت المرأة "كضرب"، والتدمت: لطمت وضربت صدرها في النياحة، ويهتكن: يمزقن، والجيوب جمع جيب: وهو طوق القميص.
٢ كمنع وعلم ونصر وكرم.
٣ الأجراس جمع جرس كشمس: وهو الصوت.
٤ تريد جدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي رواية: "والصلاة على جدي سيد المرسلين".
٥ الغدر والخديعة، أو أقبح الغدر.
٦ رقأ الدمع: جف وسكن، والعبرة: الدمعة قبل أن تفيض.
٧ الرنة: الصوت.
٨ أنكاثا: جمع نكث كحمل، وهو ما نقض ليغزل ثانية -حال من غزلها، أو مفعول ثانٍ لنقضت لأنه بمعنى صيرت- وقيل: هي ريطة بنت سعد بن تيم القرشية، وكانت خرقاء تغزل طول يومها ثم تنقضه.
٩ الدخل: ما يدخل في الشيء وليس منه، وما دخل من فساد في عقل أو جسم، والغدر والمكر والخديعة.
١٠ الصلف: التمدح بما ليس عندك، أو مجاوزة قدر الظرف والادعاء فوق ذلك تكبرًا.
١١ الشنف: النظر بمؤخر العين، أو النظر إلى الشيء كالمعترض عليه، أو كالمتعجب منه، أو كالكاره له، وشنف له كفرح فرحا: أبغضه وتنكره.
١٢ ملق الجارية: مجامعتها، أو هو ملق بالتحريك، والملق: التملق.

<<  <  ج: ص:  >  >>