للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٦٦- وفود ضرار بن حمزة الصدائي على معاوية:

دخل ضرار بن حمزة الصدائي١ "وكان من خواص علي كرم الله وجهه" على معاوية وافدًا؛ فقال له: يا ضرار، صف لي عليًّا، قال: أعفِني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنه، قال: "أما إذ لا بد من وصفه؛ فكان والله بعيد المدى٢، شديد القوى، يقول فضلًا، ويحكم عدلًا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يُقَلِّبُ كفِّه، ويخاطب نفسه، يعجبُه من اللباس ما قَصُرَ، ومن الطعام ما خَشُنَ، كان فينا كأحدِنا، يجيبُنا إذا سألناه، ويُنبئنا إذا استنبأناه، ونحن مع تقريبه إيانا، وقربه منا، لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتدئه لعظمته، يعظم أهل الدين ويحب المساكين؛ لا يطمع القوي في باطله، ولا ييئس الضعيفُ من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله٣، وغارت نجومُه، وقد مثل في محرابه قابضًا على لحيته، يتململُ تململَ السليم٤، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غُرِّي غَيْرِي، ألي تعرضتِ، أم إليَّ تشوفتِ؟ هيهاتَ هيهاتَ! قد باينتك ثلاثًا لا رجعة فيها؛ فعمرك قصيرٌ، وخَطَرُك٥ حقيرٌ، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق! " فبكى معاويةُ وقال: رحم الله أبا الحسن، فلقد كان كذلك، فكيف حزنُك عليه يا ضرار؟ قال: حُزْنُ من ذُبِحَ واحدُها في حِجْرِها.

"الأمالي ٢: ١٤٩، ومروج الذهب ٢: ٤٧، وشرح ابن أبي الحديد م٤: ص٢٧٦، وزهر الآداب ١: ٤٧"


١ صُدَاء كغراب: حي باليمن.
٢ الغاية.
٣ السدول: جمع سدل بالضم والكسر، وهو الستر.
٤ السليم: الملدوغ، وسُمِّيَ بذلك تفاؤلا له بالسلامة، كما تسمى البيداء مفازة: تفاؤلًا بالفوز.
٥ الخطر: القدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>