للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٥٨- خطبته وقد استلحقه معاوية:

ولما أراد معاوية استلحاق زياد، وقد قدم عليه الشام، جمع الناس وصعد المنبر، وأصعد زيادًا معه؛ فأجلسه بين يديه على المرقاة١ التي تحت مرقاته، وحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

"أيها الناس: إني قد عرفت نسبنا أهل البيت في زياد، فمن كان عنده شهادة فليقم بها"، فقام ناس، فشهدوا أنه ابن أبي سفيان، وأنهم سمعوا ما أقر به قبل موته٢؛ فلما انقضى كلام معاوية ومناشدته، قام زياد وأنصت الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:


١ المرقاة بفتح الميم وتكسر: الدرجة.
٢ فقام أبو مريم السلولي – وكان خمارًا في الجاهلية فقال: أشهد يا أمير المؤمنين أن أبا سفيان: قدم علينا الطائف، فأتاني؛ فاشتريت له لحمًا وخمرًا وطعامًا؛ فلما أكل قال: يا أبا مريم، أصب لي بغيًّا؛ فخرجت فأتيت سمية، فقلت لها: إن أبا سفيان من قد عرفت شرفه وجوده وقد أمرني أن أصيب له بغيًّا، فهل لك؟ فقالت: نعم يجيء الآن عبيد بغنمه –وكان راعيًا- فإذا تعشى ووضع رأسه أتيته؛ فرجعت إلى أبي سفيان فقلت لم أجد إلا جارية الحرث بن كلدة سمية، فقال: ائتني بها على ذفرها وقذرها، فقال له زياد: مهلًا يا أبا مريم؛ إنما بعثت شاهدًا، ولم تبعث شاتمًا، فقال أبو مريم: لو كنتم أعفيتموني لكان أحب إليَّ، وإنما شهدت بما عاينت ورأيت، والله لقد أخذ بكم درعها، وأغلقت الباب عليهما، فلم ألبث أن خرج على يمسح جبينه، فقلت: مه يا أبا سفيان، فقال: ما أصبت مثلها يا أبا مريم لولا استرخاء من ثدييها، وذفر في إبطيها" -والدفر بالتحريك ويسكن: النتن، والذفر بالتحريك: كل ريح ذكية من طيب أو نتن أو يخص برائحة الإبط المنتنة- وكانت أمه سمية قد وهبها أبو الخير بن عمرو الكندي الحارث بن كلدة -وكان طبيبًا يعالجه- فولدت له على فراشه نافعًا، ثم ولدت أبا بكرة؛ فأنكر لونه، وقيل له إن جاريتك بغيٌّ، فانتفى من أبي بكرة ومن نافع، وزوجها عبيدًا وكان عبدًا لابنته، فولدت على فراشه زيادًا.
وذكروا أن عمر بن الخطاب كان قد بعث زيادًا في إصلاح فساد واقع باليمن؛ فلما رجع من وجهته خطب عند عمر خطبة لم يسمع بمثلها، وهو غلام حدث، وأبو سفيان حاضر، وعليٌّ عليه السلام، وعمرو بن العاص، فقال عمرو: لله أبو هذا الغلام لو كان قرشيًّا لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفيان: أما والله =

<<  <  ج: ص:  >  >>