للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٧- استعطاف إبراهيم بن المهدي المأمون:

لما ظفِر المأمون بعمه إبراهيم بن المهدي١ أمر بإدخاله عليه، فجيء بإبراهيم يحجُِل٢ في قيوده، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال له المأمون: لا سلَّم الله عليك، ولا حَفِظك، ولا رعاك، ولا كلأَكَ٣ يا إبراهيم، فقال له إبراهيم: على رِسْلِك٤ يا أمير المؤمنين، وليُّ٥ الثأرِ محكَّم في القصاص، والعَفْوُ أقرب للتقوى، ومن مُدَّ له الاغترار في الأمل، هجمت به الأناة على التلف٦ وقد أصبح ذنبي فوق كل ذنب، كما أن عفوك فوق كل٧ عفو، فإن تعاقب فبحقِّك، وإن تعفُ فبفضلك"، ثم قال:

ذنبي إليك عظيم ... وأنت أعظم منه

فخذ بحقك أو لا ... فاصفح بفضلك عنه

إن لم أكن في فعالي ... من الكرام فَكُنه

فأطرق المأمون مليًّا، ثم رفع رأسه فقال: إني شاورت أبا إسحاق٨ والعباس


١ كان المأمون قد عهد بالخلافة لعلي الرضا بن موسى الكاظم، فلما سمع العباسيون ببغداد "وكان المأمون بمرو حاضرة خراسان" ما فعله المأمون من نقل الخلافة من البيت العباسي إلى البيت العلوي، وأنكروا منه ذلك، وخلعوه من الخلافة، وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدي سنة٢٠١ هـ، ولما علم المأمون بذلك جد في المسير إلى بغداد، وهرب عمه إبراهيم وتوارى.
٢ حجل المقيد كضرب ونصر: رفع رجلا، وتريث في مشيه على رجله.
٣ كلأه: حرسه.
٤ المهل والتؤدة.
٥ صاحبه.
٦ وفي رواية: "ومن تناوله الاغترار بما مده من أسباب الرخاء، أمن عادية الدهر".
٧ وفي رواية: "وقد أصبحت فوق كل ذي ذنب، كما أصبح كل ذي عفو دونك" وفي أخرى: "وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب، كما جعل كل ذي ذنب دونك".
٨ أبو إسحاق هو المعتصم أخو المأمون، والعباس هو ابن المأمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>