للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٩٦- وفود العراق على سليمان بن عبد الملك:

وقدمت وفود العراق على سليمان بن عد الملك بعد ما استخلف؛ فأمرهم بشتم الحجاج، فقاموا يشتمونه، فقال بعضهم: "إن عدو الله الحجاج كان عبدًا زبابًا١، قنور بن قنور٢ لا نسب له في العرب" قال سليمان: أي شتم هذا! إن عدو الله


١ بائع زبيب، قيل إنه كان يبيع الزبيب بالطائف، وذكروا أنه كان أول أمره يعلم الصبيان مع أبيه بالطائف -ويسمى كليبًا- وفيه يقول الشاعر:
أينسى كليب زمان الهزال ... وتعليمه سورة الكوثر؟
رغيف له فلك دائر ... وآخر كالقمر الأزهر
"يشير إلى خبز المعلمين؛ فإنه مختلف في الصغر والكبر على قدر بيوت الصبيان" ويقول آخر:
فلولا بنو مروان كان ابن يوسف ... كما كان عبدًا من عبيد إياد
زمان هو العبد المقر بذله ... يروح صبيان القرى ويغادي
"راحهم وروحهم: ذهب إليهم رواحًا"، ثم صار دباغًا، كما يدل على ذلك هجاء كعب الأشقري له، وذلك أن المهلب بن أبي صفرة لما أطال قتال الأزارقة، كتب إليه الحجاج يستبطئه ويضعفه ويعجزه في تأخير مناجزتهم؛ فقال المهلب لرسوله: قل له: إن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فإن كنت نصبتني لحرب هؤلاء القوم على أن أديرها كما أرى؛ فإن أمكنتني الفرصة انتهزتها، وإن لم تمكني فأنا أدبر ذلك بما يصلحه، وإن أردت مني أن أعمل برأيك وأنت غائب، فإن كان صوابًا فلك، وإن كان خطأ فعلي، ابعث من رأيت مكاني" وقام كعب الأشقري إلى المهلب، فأنشده بحضرة رسول الحجاج أبياتًا من:
إن ابن يوسف غره من غزوكم ... خفض المقام بجانب الأمصار
لو شاهد الصفين حين تلاقيا ... ضاقت عليه رحيبة الأقطار
ورأى معاودة الدباغ غنيمة ... أزمان كان محالف الإقتار
فبلغت أبياته الحجاج، فكتب إلى المهلب يأمره بإشخاص كعب الأشقري إليه، فأعلم المهلب كعبًا بذلك، وأوفده إلى عبد الملك من ليلته، وكتب إليه يستوهبه منه، فقدم كعب على عبد الملك واستنشده فأعجبه ما سمع منه، فأوفده إلى الحجاج، وكتب إليه يقسم عليه أن يعفو عنه؛ فلما دخل عليه قال: إيه يا كعب، "ورأى معاودة الدباغ غنيمة"! فقال له: أيها الأمير، والله لقد وددت في بعض ما شاهدته في تلك الحروب وأزماتها، وما يوردناه المهلب من خطرها، أن أنجو منها، وأكون حجامًا، أو حائكًا، فقال له الحجاج أولى لك، لولا قسمُ أمير المؤمنين لما نفعك ما أسمع، فالحق بصاحبه، وبعض الرواة ينكر هذا القول، ويقول: هذه من أكاذيب الشعراء: -انظر الأغاني ج١٣ ص٥٧، وسر العيون ص١١٢، والعقد الفريد ٣: ٦.
٢ القنور: الشرس الصعب من كل شيء، وكسنور: العبد.

<<  <  ج: ص:  >  >>