للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٧١- رد معاوية على ابن زياد:

فنظر معاوية في وجوه القوم كالمتعجب، فتصفحهم بلحظه رجلًا رجلًا وهو مبتسم، ثم اتجه تلقاءه، وعقد حبوته١، وحسر عن يده، وجعل يومي بها، ثم قال معاوية:

"الحمد لله على ما نحن فيه، فكل خير منه. وأشهد أن لا إله إلا الله؛ فكل شيء خاضع له، وأن محمدًا عبده ورسوله، دلَّ على نفسه بما بان عن عجز الخلق أن يأتوا بمثله؛ فهو خاتم النبيين، ومصدق المرسلين، وحجة رب العالمين، صلوات الله عليه وبركاته؛ أما بعد: فرب خير مستور، وشرٍّ مذكور، وما هو إلا السهم الأخيب لمن طار به، والحظ المُرْغِب لمن فاز به، فيهما التفاضل وفيهما التغابن، وقد صفقت٢ يداي في أبيك صفقة ذي الخلة من رواضع الفُصْلان، عَامَلَ اصطناعي٣ له بالكفر لما أوليته؛ فما رميتُ به إلا انتصلَ٤، ولا انتضيتُهُ٥ إلا غلق جفنه، ولزَّت٦ لسعتُهُ، ولا قلت إلا عانَدَ، ولا قمت إلا قعد، حتى اخترمه٧ الموت، وقد أوقع بختره٨، ودل على حقده، وقد كنت رأيت في أبيك رأيا حضره الخطل، والتبس به الزلل؛ فأخذ مني بحظ الغفلة، وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء،


١ احتبى بالثوب: اشتمل، أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها، والاسم: الحبوة، وحسر: كشف.
٢ صفق له بالبيع، وصفق يده، وعلى يده صفقا وصقة: ضرب يده على يده، وذلك عند وجوب البيع. والفصلان جمع فصيل: وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه، والحلة: الحاجة.
٣ اصطنعه لنفسه: اختاره لخاصة أمر استكفاه إياه.
٤ انتصل السهم: سقط نصله.
٥ انتضى السيف: استله، والجفن: غمد السيف.
٦ لزّه: طعنه.
٧ أهلكه.
٨ الختر: الغدر والخديعة، أو أقبح الغدر، وأوقع به: أهلكه.

<<  <  ج: ص:  >  >>