ولما تواقف الفريقان للقتال، جعل عتاب يسير فيما بين الميمنة إلى الميسرة، يمر بأهل راية راية؛ فيحثهم على تقوى الله ويأمرهم بالصبر، ويقص عليهم قصصًا كثيرًا منه قوله:"يا أهل الإسلام: إن أعظم الناس نصيبًا في الجنة الشهداء، وليس الله لأحد من خلقه بأحمد منه للصابرين؛ ألا ترون أنه يقول:{وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ؛ فمن حمد الله فعله فما أعظم درجته، وليس الله لأحد أمقت منه لأهل البغي، ألا ترون أن عدوكم هذا يستعرض المسلمين بسيفه؟ لا يرون إلا أن ذلك لهم قربة عند الله؛ فهم شرار أهل الأرض، وكلاب أهل النار".
فلم يجبه أحد، فقال: أين القصاص يقصون على الناس ويحرضونهم؟ فلم يتكلم أحد، فقال: أين من يروي شعر عنترة فيحرك الناس؟ فلم يجبه أحد، ولا رد عليه كلمة، فقال: إنا لله! والله لكأني بكم وقد فررتم عن عتاب بن ورقاء، وتركتموه تسفِي في استه الريح، وحمل عليه شبيب فتفرق عنه كثير من أصحابه وخذلوه، وثبت في عصابة قليلة صبرت معه، وقاتل حتى قتل.
"تاريخ الطبري ٧: ٢٤٦، وشرح ابن أبي الحديد م١ ص٤٢٠"