للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٤٢- خطبة مروان بن الحكم:

"إن الله عظيم خطره، لا يقدر١ قادر قدره، خلق من خلقه عبادًا، جعلهم لدعائم دينه أوتادًا. هم رقباؤه على البلاد، وخلفاؤه على العباد، أسفر٢ بهم الظُّلَم، وألف بهم الدين، وشدد بهم اليقين، ومنح بهم الظفر، ووضع بهم من استكبر، فكان من قبلك من خلفائنا، يعرفون ذلك في سالف زمامنا، وكنا نكون لهم على الطاعة إخوانا، وعلى من خالف عنها أعوانا، يشد بنا العضد، ويقام بنا الأود، ونستشار في القضية، ونستأمر٣ في أمر الرعية، وقد أصبحنا اليوم في أمور مستحيرة٤، ذات وجوه مستديرة، تفتح بأزمة الضلال، وتحلس٥ بأسوأ الرحال، يؤكل جزورها٦، وتمتق أحلابها٧، فما لنا لا نستأمر في رضاعها، ونحن فطامها وأولاد فطامها، وايم الله لولا عهود مؤكدة، ومواثيق معقدة٨، لأقمت أود وليها، فأقم الأمر يابن أبي سفيان، واعدل عن تأميرك الصبيان، واعلم أن لك في قومك نظراء، وأن لهم على مناوأتك وزراء".

فغضب معاوية من كلامه غضبًا شديدًا، ثم كظم غيظه بحلمه، وأخد بيد مروان، ثم قال:


١ قدره من بابي قصر وضرب وقدره تقديرًا: عظمه، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عظموه حق تعظيمه.
٢ سفر الصبح وأسفر: أضاء وأشرق، أو هو متعد من سفرت الحرب أي ولت، وسفرت المرأة كشفت عن وجهها، فالمعنى كشف بهم الظلم.
٣ الاستئمار: المشاورة.
٤ في الأصل "مستخيرة" أي مستخير صاحبها، من استخار الله في أمره: طلب أن يجعل له فيه الخير، وأرى أنها "مستحير" بالحاء: أي مستحير صاحبها أي متحير، من استحار: إذا نظر إلى الشيء، فغشي عليه، ولم يهتد لسبيله، ويؤيد هذا قوله بعد: "ذات وجوه مستديرة" أي مستغلقة مبهمة ليست مستقيمة.
٥ حلس البعير كضربه: غشاه بحلس "بكسر الحاء" وهو كساء على ظهر البعير تحت البرذعة، وفي الأصل: "وتجلس بأسوأ الرجال" بجيمين وهو تصحيف".
٦ الجزور: البعير، أو خاص بالناقة المجزورة.
٧ امتق الفصيل ما في الضرع شربه كله، والأحلاب جمع حلب "بفتحتين" وهو اللبن المحلوب.
٨ اسم مفعول من عقد بالتشديد مضعف عقد الحبل والبيع والعهد: إذا شده.

<<  <  ج: ص:  >  >>