وسيَّر إليه ابن زياد عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة آلاف، فعدل الحسين إلى كربلاء، وكانت بينهما مقابلات غير مجدية١. فنهض عمر إليه عشية الخميس "٩ من المحرم سنة ٦١هـ" فجمع الحسين أصحابه عند قرب المساء فقال:
"أثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السراء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعًا وأبصارًا وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين.
أما بعد: فإني لا أعلم أصحابًا أولى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصلَ من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعًا خيرًا ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدًا. ألا وإني قد رأيت لكم، فانطلقوا جميعًا في حلٍّ، ليس عليكم من ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جَمَلا، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيدِ رجلٍ من أهل بيتي، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم، حتى يفرج الله، فإن القوم إنما يطلبونني، ولو قد أصابوني لَهَوْا عن طلب غيري".
١ التقى عمر بن سعد والحسين مرارًا ثلاثًا أو أربعًا، وكتب عمر بعدها إلى عبيد الله بن زياد: "أما بعد: فإن الله قد أطفأ الثائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر هذه الأمة، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن نُسَيِّرَهُ إلى أي ثغرٍ من ثغور المسلمين شِئْنَا، فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين، فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لكم رضا وللأمة صلاح" فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال: هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه نعم قد قبلت، ولكن شمر بن ذي الجوشن ثناه عن القبول، فكتب إلى عمر بن سعد كتابا يقول فيه: "أما بعد، فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه، ولا لتطاوله، ولا لتُمَنِّيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعًا، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا، فابعث بهم إلى سلمًا، وإن أبَوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قتل حسين فأوط الخيل صدره وظهره فإنه عاق مشاق قاطع ظلوم".