ومرض الحجاج ففرح أهل العراق، وأرجفوا بموته؛ فلما بلغه تحامل حتى صعد المنبر فقال:
"إن طائفة من أهل العراق، أهل الشقاق والنفاق، نزغ١ الشيطان بينهم فقالوا: مات الحجاج، ومات الحجاج فمه؟ وهل يرجو الحجاج الخير إلا بعد الموت؟ والله ما يسرني ألا أموتَ، وأن لي الدنيا وما فيها، وما رأيت الله رَضِيَ بالتخليد إلا لأهون خلقِهِ عليه إبليس، قال:{قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون، قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} ، ولقد دعا الله العبد الصالح، فقال:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فأعطاه ذلك إلا البقاء، فما عسى أن يكون أيها الرجل؟ وكلكم ذلك الرجل، كأني والله بكل حيٍّ منكم ميتًا، وبكل رطب يابسًا، ونقل في ثياب أكفانه إلى ثلاثة أذرع طولًا، في ذراعٍ عرضًا، وأكلت الأرض لحمَه، ومصتْ صديدَه، وانصرفَ الحبيبُ من ولده يقسم الخبيث من ماله، إن الذين يعقلون يعلمون ما أقول"، ثم نزل.
"عيون الأخبار م٢: ص٢٤٤، والعقد الفريد ٢: ١٥٤، ٣: ١٧، وسرح العيون ١٢٢، ومروج الذهب ٢: ١٤٢، وشرح ابن أبي الحديد م١: ص١١٥".