للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٨٢- صورة أخرى:

وروى أحمد بن أبي طاهر طيفور هذا الخبر بصورة أطول وهاكها:

قال أبو محمد القشيريّ: كان أبو الأسود الدؤلي من أكبر الناس عند معاوية بن أبي سفيان، وأقربهم مجلسًا، وكان لا ينطق إلا بعقل، ولا يتكلم إلا بعد فهم؛ فبينا هو ذات يوم جالس، وعنده وجوه قريش وأشراف العرب، إذ أقبلت امرأة الأبي الأسود الدؤلي، حتى حاذت معاوية، وقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته؛ إن الله جعلك خليفة في البلاد، ورقيبًا على العباد، يستسقى بك المطر، ويستنبت بك الشجر، وتؤلف بك الأهواء، ويأمن بك الخائف، ويردع بك الجانف١، فأنت الخليفة المصطفى، والإمام المرتضى، فأسأل الله لك النعمة في غير تغيير، والعافية من غير تعذير٢. قد ألجأني إليك يا أمير المؤمنين أمر ضاق علي فيه المنهج، وتفاقم علي منه المخرج، لأمر كرهت عاره٣، لما خشيت إظهاره، فلينصفني أمير المؤمنين من الخصم؛ فإني أعوذ بِعقْوَته٤ من العار الوبيل، والأمر الجليل، الذي يشتد على الحرائر، ذوات البعول الأجائر٥، فقال لها معاوية: ومن بعلك هذا الذي تصفين من أمره المنكر، ومن فعله المشهَّر٦؟ فقالت: هو أبو الأسود الدؤلي، فالتفت إليه فقال: يا أبا الأسود: ما تقول هذه المرأة؟ فقال أبو الأسود: هي تقول من الحق بعضًا، ولن يستطيع أحد عليها نقصًا؛ أما ما ذكرتْ من طلاقها فهو حق، وأنا مخبر أمير المؤمنين عنه بالصدق، والله يا أمير المؤمنين ما طلقتها عن ريبة


١ المائل: الجائر.
٢ أي من غير نقص، من عذر في الأمر تعذيرًا: إذا قصر ولم يجتهد "أو من غير تشويه، من عذر الشيء: لطخه بالعذرة كفرحة".
٣ تكنى بذلك عن طلاقها.
٤ العقوة: ما حول الدار.
٥ البعول والبعولة: جمع بعل وهو بعل وهو الزوج، والأجائر: جمع أجور، أفعل تفضيل من جار.
٦ شهره كمنعه، وشهّره بالتشديد: أظهره في شنعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>