للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٨٩- خطبه الوعظية:

وخطب الحجاج يومًا فقال:

"أيها الناس، قد أصبحتم في أجل منقوص، وعمل محفوظ، رُبَّ دائبٍ مضيع، وساعٍ لغيره، والموتُ في أعناقكم، والنارُ بين أيديكم، والجنةُ أمامكم، خذوا من أنفسكم لأنفسكم، ومن غناكم لفقركم، ومما في أيديكم لما بين أيديكم؛ فكأن ما قد مضى من الدنيا لم يكن، وكأن الأموات لم يكونوا أحياء، وكل ما ترونه فإنه ذاهب، هذه شمس عاد وثمود وقرون كثيرة بين ذلك، هذه الشمس التي طلعت على التبابعة والأكاسرة، وخزائنهم السائرة بين أيديهم، وقصورهم المشيدة، ثم طلعت على قبورهم، أين الملوك الأولون، أين الجبابرة المتكبرون؟ المحاسب الله، والصراط منصوب، وجهنم تزفر١ وتتوقد، وأهل الجنة ينعمون، في روضة يحبرون٢، جعلنا الله وإياكم من الذين {إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} .

فكان الحسن البصري رحمه الله يقول: "ألا تعجبون من هذا الفاجر؟ يرقى عتبات المنبر، فيتكلم بكلام الأنبياء، وينزل فيفتك فتك الجبارين، يوافق الله في قوله ويخالفه في فعله".

"شرح ابن أبي الحديد م١ ص١٥٠".


١ زفرت النار كضرب: سمع لتوقدها صوت.
٢ أحبره: سره، والحبور: السرور.

<<  <  ج: ص:  >  >>