ودخل معن١ بن زائدة الشيباني على أبي جعفر المنصور وقد أسن، فقارب في خطوه، فقال له المنصور: لقد كبرت سنك يا معن، قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين، قال: وإنك لجلد، قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين، قال: وإن فيك لبقية، قال: هي لك يا أمير المؤمنين، قال: فأي الدولتين أحب إليك، هذه أم دولة بني أمية؟ قال: ذلك إليك يا أمير المؤمنين، إن زاد برك على برهم كانت دولتك أحب إلي.
١ كان جوادًا شجاعًا جزيل العطاء كثير المعروف، وكان في أيام بني أمية متنقلًا في الولايات، منقطعًا إلى يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير المؤمنين، فلما انتقلت الدولة إلى بني العباس، وحاصر المنصور يزيد بمدينة واسط كما قدمنا، أبلى يومئذ معن مع يزيد بلاء حسنًا، فلما قتل يزيد خاف معن من أبي جعفر المنصور، فاستتر عنه مدة، ولم يزل مستترًا حتى كان يوم الهاشمية، وذلك أن جماعة من أهل خراسان ثاروا على المنصور، وجرت مقتلة عظيمة بينهم وبين أصحاب المنصور بالهاشمية -وهي مدينة بناها السفاح بالقرب من الكوفة- وكان معن متواريًا بالقرب منهم، فخرج متنكرًا معتما متلثمًا، وتقدم إلى القوم، وقاتل قدام المنصور قتالًا أبان فيه عن نجدة وشهامة وفرقهم، فلما أفرج عن المنصور، قال له: من أنت ويحك؟ فقال: أنا طلبتك يا أمير المؤمنين معن بن زائد، فأمنه المنصور وأكرمه، وصار من خواصه، وولي سجستان في أواخر أمره، فلما كانت سنة ١٥١ اندس قوم من الخوارج بين صناع كانوا يعملون في داره بمدينة بست، فقتلوه وهو يحتجم، وتبعهم ابن أخيه يزيد بن مزيد بن زائدة، فقتلهم بأسرهم.