للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٠- وصف الفضل بن الربيع غفلة الأمين:

وندب أسد بن يزيد بن مزيد لقتال طاهر

وبعث الفضل بن الربيع بعد مقتل عبد الرحمن بن جَبَلة إلى أسد بن يزيد بن مَزْيَد، قال: فأتيته، فلما دخلت عليه وجدته قاعدًا في صَحْن داره، وفي يده رُقعة قد قرأها، واحمرَّت عيناه، واشتد غضبه، وهو يقول:

"ينام نوم الظَّرِبان١، وينتبه انتباه الذئب، همَّتُه بطنه، ولذَّته فرجه، لا يفكِّر في زوال نعمته، ولا يُرَوِّي في إمضاء رأي ولا مكيدة، قد ألهاه كأسه، وشغله قدحه، فهو يجري في لهوه، والأيام تسرع٢ في هلاكه، قد شمَّر عبد الله له عن ساقه، وفوَّق له أصْيَب٣ أسهمه، يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ، والموت القاصد٤، قد عبَّى له المنايا على متون الخيل، وناط٥ له البلاء في أسنة الرماح، وشِفار السيوف".

ثم استرجع وتمثل بأبيات للبعيث٦، ثم التفت إليَّ فقال:

"يا أبا الحارث، إنا وإياك لنجري إلى غاية، وإن قَصَّرنا عنها ذُمِمْنا، وإن اجتهدنا في بلوغها انقطعنا، وإنما نحن شُعَب من أصل، إن قويَ قوينا، وإن ضَعُف ضعُفْنا، إن هذا قد ألقى بيده إلقاء الأمة الوَكْفاء٧، يشاور النساء، ويعتمد على الرؤيا. وقد أمكن أهل اللهو والخسارة من سمعه، فهم يَعِدُونه الظفَرَ، ويمنُّونه عُقْب٨ الأيام،


١ الظربان: دويبة فوق جرو الكلب منتنة الريح كثيرة الفسو، يضرب بها المثل فيقال: "أفسى من ظربان".
٢ في الأصل "تضرع" وأراه محرفا.
٣ أصيب: أفعل من صاب السهم يصيب صيبا: أي أصاب، وسهم صيوب كصبور.
٤ القاصد أي الكاسر، من القصد بالفتح: هو الكسر بأي وجه كان، أو بالنصف، كالتقصيد، يقال قصد المحة وقصدها: كسرها وفصلها فتقصدت.
٥ علق.
٦ هو خداش بن بشر المجاشعي، أحد شعراء الدولة الأموية، وكان يهاجي جريرًا.
٧ وصف من الوكف بالتحريك: وهو الإثم والعيب والنقص، وكف كفرح إذا أثم، وفي رواية الطبري "الوكعاء" بالعين، وهي الحمقاء.
٨ العقب كقفل وعنق: العاقبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>