للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٦- وصية أبي طالب لوجوه قريش عند موته:

لما حضرت أبا طالب١ الوفاة، جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال:

"يا معشر قريش: أنتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب، فيكم السيد المطاع، وفيكم المقدام الشجاع، الواسع الباع، واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبًا إلا أحرزتموه، ولا شرفًا إلا أدركتموه؛ فلكم بذلك على الناس الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب، وعلى حربكم ألب٢، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية -يعني الكعبة- فإن فيها مرضاة للرب، وقوامًا للمعاش، وثباتًا للوطأة، صلوا أرحامكم فإن في صلة الرحم منسأةً٣ في الأجل، زيادة في العدد، اتركوا البغي والعقوق؛ ففيهما هلكت القرون قبلكم، أجيبوا الداعي، وأعطوا السائل، فإن فيهما شرف الحياة والممات، وعليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة، فإن فيهما محبةً في الخاص، ومكرمة في العام.

وإني أوصيكم بمحمد خيرًا؛ فإنه الأمين في قريش، والصديق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به، وقد جاءنا بأمر قبله الجنان٤، وأنكره اللسان، مخافة الشنآن٥، وايم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب وأهل الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته، وصدقوا كلمته، وعظموا أمره؛ فخاض بهم غمرات الموت، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابًا، ودورها خرابًا، وضعفاؤها أربابًا٦، وإذا


١ توفي في السنة العاشرة من النبوة وهو ابن بضع وثمانين سنة، وإسلامه مختلف فيه "اقرأ فصلًا طويلًا في ذلك في شرح ابن أبي الحديد م ٣: ص٣١١".
٢ أي ذوو ألب، والألب: التدبير على العدو من حيث لا يعلم.
٣ أي فسحة وامتداد: من نسأه، أي آخره.
٤ القلب.
٥ البغض والكراهية.
٦ سادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>