للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٠١- كلمات حكيمة لقتيبة بن مسلم:

وخرجت خارجة بخراسان؛ فقيل لقتيبة بن مسلم: لو وجهت إليهم وكيع بن أبي سود١، قال: وكان وكيع رجلًا عظيم الكبر، في أنفه خنزوانة٢، وفي رأسه نعرة٣؛ وإنما أنفه في أسلوب٤، ومن عظم كبرُه اشتد عجبُه، ومن أُعْجِبَ برأيه لم يشاور كفيًّا، ولم يؤامر٥ نصيحًا. ومن تفرد بالنظر لم يكمل له الصواب، ومن تبجح٦ بالانفراد، وفخر بالاستبداد، كان من الصواب بعيدًا، ومن الخذلان قريبًا، والخطأ مع الجماعة، خير من الصواب مع الفرقة؛ وإن كانت الجماعة لا تخطئ، والفرقة لا تصيب، ومن تكبر على عدوه حقره، وإذا حقره تهاون بأمره، ومن تهاون بخصمه، ووثق بفضل قوته قل احتراسه، ومن قل احتراسه كثر عثاره، وما رأيت عظيم الكبر صاحب حرب؛ إلا كان منكوبًا؛ فلا والله حتى يكون عدوه عنده، وخصمه فما تغلب


١ هو وكيع بن أبي سود التميمي، أحد الأبطال البواسل، كان مع قتيبة في فتح بخارى، وأبلى في القتال بلاء محمودًا -انظر خبره في الطبري ٨: ٦٨- وولاه الناس أمرهم حين ثاروا بقتيبة وقتلوه.
٢ الخنزوان، والخنزوانة، والخنزوانية: الكبر، يقال: هو ذو خنزوانات.
٣ النعرة: الخيلاء والكبر.
٤ الأسلوب: الشموخ في الأنف، ويقال: إن أنفه لفي أسلوب إذا كان متكبرًا، قال الراجز:
أنوفهم ملفخر في أسلوب ... وشعر الأستاه في الجيوب
"وهو في معنى المثل المشهور: أنف في السماء واست في الماء، والجَيوب كصبور: الأرض، والأستاه جمع سته كشمس وسبب وهو الأست، وقوله: ملفخر أصله: من الفخر، ونظيره قول جميل بثينة:
وما أنس ملأ شياء لا أنس قولها ... "وقد قربت نضوى" أمصر تريد؟
أي من الأشياء، وقول قطري بن الفجاءة:
غداة طفت علماء بكر بن وائل ... وعجنا صدور الخيل نحو تميم
أي على الماء".
٥ الكفيّ: الكافي، ويؤامر: يشاور.
٦ تبجح به: افتخر وتباهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>