للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، أسمع من فَرَس، وأبصر من عقاب، وأهدى من قطاة، وأحذر من عقعق١، وأشد إقدامًا من الأسد، وأوثب من الفهد، وأحقد من جمل، وأروغ من ثعلب، وأغدر من ذئب، وأسخى من لافظة٢، وأشح من صبي، وأجمع من ذرة٣، وأحرس من كلب، وأصبر من ضب؛ فإن النفس تسمح من العناية على قدر الحاجة، وتتحفظ على قدر الخوف، وتطلب على قدر الطمع، وتطمع على قدر السبب".

"جمهرة الأمثال ١: ١١٧"

ومن كلماته البليغة قوله حين قدم خراسان:

ٍ"من كان في يديه شيء من مال عبد الله بن خازم٤ فلينبذه، وإن كان في فيه فليلفظه، وإن كان في صدره فلينفثه" فعجب الناس من حسن ما فصل وقسم.

"البيان والتبيين ٢: ٥٤"


١ العقعق: نوع من الغربان، وهو ذو لونين: أبيض وأسود طويل الذنب، يشبه صوته العين والقاف -ولذا سمي عقعقًا- وقيل لأنه يعق فراخه؛ فيتركهم بلا طعام، وجميع الغربان يفعل ذلك، وقد ضربوا به المثل في الحذر، فقالوا: "أحذر من عقعق" -انظر جمهرة الأمثال- كما قالوا: "أحذر من غراب" وقالوا أيضًا: "ألص من عقعق" لأن في طبعه شدة الاختطاف لما يراه من الحلي، وقالوا: "أحمق من عقعق"؛ لأنه كالنعامة التي تضيع بيضها وأفراخها، وتشتغل ببيض غيرها، وإياها عني هدبة بقوله:
كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحًا
انظر حياة الحيوان الكبرى الدميري ٢: ٢٠٩، ومجمع الأمثال.
٢ رواه الميداني: "أسمح من لافظة"، وقال: قد اختلفوا فيها، فقال بعضهم: هي العنز التي تشلي الحلب- أشلى دابته: أراها المخلاة لتأتيه، وأشلاها: دعاها للحلب- فتجيء لافظة بجرتها فرحًا بالحلب.
وقال بعضهم: هي الحمامة؛ لأنها تخرج ما في بطنها لفرخها، وقال بعضهم: هي الديك؛ لأنه يأخذ الحبة بمنقاره فلا يأكلها، ولكن يلقيها إلى الدجاجة، والهاء فيها للمبالغة هاهنا، وقال بعضهم: هي الرحى لأنها تلفظ ما تطحنه أي تقذف، وقال بعضهم: هي البحر لأنه يلفظ بالدرة، قال الشاعر:
تجود فتجزل قبل السؤال ... وكفك أسمح من لافظة
٣ الذر: صغار النمل، وفي كلام عمر بن عبد العزيز: قاتل الله زيادًا جمع لهم "أي لأهل العراق" كما تجمع الذرة، وحاطهم كما تحوط الأم البرة"، وقال الشاعر:
تجمع للوارث جمعًا كما ... تجمع في قريتها الذر
٤ وكان من أمره أنه لما مات يزيد بن معاوية، ومعاوية بن يزيد، وثب أهل خراسان بعمالهم فأخرجوهم، وغلب كل قوم على ناحية، ووقعت الفتنة، وغلب عبد الله بن خازم على خراسان، ثم كتب إليه عبد الملك بن مروان بعد مقتل عبد الله بن الزبير –وقيل قبله- يدعوه إلى الدخول في طاعته على أن يطعمه خراسان عشر سنين، فأبى وحلف ألا يعطيه طاعة أبدًا، وكان ابن خازم يقاتل بجير بن ورفاء الصريمي بأبرشهر، وخليفته على مرو بكير بن وشاح، فكتب عبد الملك إلى بكير بعهده على خراسان، ووعده ومناه، فدعا إلى عبد الملك، وأجابه أهل مرو، وبلغ ابن خازم فخاف أن يأتيه بكير، فيجتمع عليه أهل مرو وأهل أبرشهر، فترك بجيرًا وأقبل إلى مروٍ، فاتبعه بجير فلحقه، ودارت بينهما الحرب فقُتل ابن خازم في المعركة- انظر تاريخ الطبر ٧: ص٤٤، وص١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>