للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٧٩- خطبته بعد وقعة دير الجماجم: ١

وخطب أهل العراق بعد وقعة دير الجماجم فقال:

"يا أهل العراق، إن الشيطان قد استبطنكم، فخالط اللحم والدم والعصب، والمسامع والأطراف، والأعضاء٢ والشغاف٣، ثم أفضى إلى المخاخ٤ والأصماخ، ثم ارتفع فعشش، ثم باض وفرخ، فحاشكم نفاقًا وشقاقًا، وأشعركم خلافًا، اتخذتموه دليلًا تتبعونه، وقائدًا تطيعونه، ومؤامرًا٥ تستشيرونه؛ فكيف تنفعكم تجربة، أو تعظكم وقعة، أو يحجزكم إسلام، أو ينفعكم بيان؟ ألستم أصحابي بالأهواز٦؟.


١ وقعة دير الجماجم: هي وقعة نشبت بين الحجاج وبين عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث قرب الكوفة سنة ٨٣هـ هزم فيها ابن الشعث؛ وذلك أن عبيد الله بن أبي بكرة عامل الحجاج على سجستان كان قد غزا رتبيل ملك الترك، وأوغل في بلاده فأصيبوا، وهلك أكثرهم، فوجه الحجاج إلى رتبيل ابن الأشعث على رأس جيش عظيم لمحاربته؛ فسار إليه وامتلك بعض بلاده، وكان يرى أن يتدرج في الفتح، فينتقصهم في كل عام طائفة من أرضهم، ولا يتوغل في بلادهم؛ لكيلا يعرض جيشه للدمار والهلكة، وكتب إلى الحجاج بذلك؛ فأبى عليه الحجاج، وكتب إليه يضعف رأيه ويأمره بالوغول في أرضهم وإلا عزله، وكان من جراء ذلك أن بايع الجند ابن الأشعث على خلع الحجاج وقتاله ثم خلع عبد الملك بن مروان، وسار ابن الأشعث بهم من سجستان إلى العراق، وتجهز الحجاج للقائه؛ فسار بأهل الشام حتى نزل تستر "مدينة بالأهواز"؛ فانهزمت مقدمته، فرجع إلى البصرة حتى نزل الزاوية "موضع قرب البصرة" ودارت رحى الحرب بين الفريقين فهزم أهل العراق أهل الشام؛ فجثا الحجاج على ركبتيه وانتضى نحو شبر من سيفه، واستعد للقاء الموت كريمًا فقويت بذلك قلوبُ جنده واستبسلوا حتى كان لهم النصر. وانهزم ابن الأشعث؛ فأقبل نحو الكوفة، حتى هزم هزيمة منكرة بدير الجماجم وتبدد أمره، وفر إلى فارس حتى نزل مدينة بست؛ فسمع رتبيل بمقدمه فأنزله عنده وأكرمه فكتب الحجاج إلى رتبيل يأمره أن يبعث إليه بابن الأشعث ويتوعده إن لم يفعل؛ فأراد رتبيل أن يرسله إليه، فقتل ابن الأشعث نفسه بأن ألقى نفسه من فوق قصر، فمات فاحتز رتبيل رأسه، وبعث به على الحجاج سنة ٨٥هـ.
٢ في العقد الفريد "والأعضاد".
٣ الشغاف: غلاف القلب أو حبته.
٤ رواية نهاية الأرب "المخاخ" وهو الوارد في كتب اللغة: مخ يجمع على مخاخ ومخخة "كعنبة"، أما سائر المصادر التي روت هذه الخطبة؛ فترويها "الأمخاخ"، وهو ما لم أره في كتب اللغة.
وقد روت جميع المصادر "الأصماخ" بهذا النص، والذي في كتب اللغة: "الصماخ من الأذن: الخرق الباطن الذي يفضي على الرأس جمعه أصمخة وصمائخ، ومثل الصماخ الأصموخ كعصفور، وجمعه أصاميخ؛ فصواب الكلمة "الصمائخ" أو "الأصاميخ".
٥ آمره في كذا مؤامرة: شاوره.
٦ يشير إلى وقعة "تستر".

<<  <  ج: ص:  >  >>