للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث رمتم المكر، وسعيتم بالغدر، واستجمعتم للكفر، وظننتم أن الله يخذل دينه وخلافته، وأنا أرميكم بطرفي، وأنتم تتسللون لواذًا١، وتنهزمون سراعًا؟ ثم يوم الزاوية، وما يوم الزاوية! بها كان فشلكم وتنازعكم وتخاذلكم، وبراءة الله منكم، ونكوص وليكم عنكم؛ إذ وليتم كالإبل الشوارد إلى أوطانها، النوازع إلى أعطانها٢، لا يسأل المرء عن أخيه، ولا يلوي٣ الشيخ على بنيه، حتى عضكم٤ السلاح، وقصمتكم الرماح، ثم يوم دير الجماجم، وما يوم دير الجماجم! بها كانت المعارك والملاحم٥، بضرب يزيل الهام٦، عن مقيله٧، ويذهل الخليل عن خليله، يا أهل العراق، والكفرات بعد الفجرات، والغدرات بعد الخترات٨، والنزوات٩ بعد النزوات، إن بعثتكم إلى ثغوركم غللتم١٠ وخنتم، وإن أمنتم أرجفتم، وإن خفتم نافقتم، لا تذكرون حسنة، ولا تشكرون نعمة، هل استخفكم ناكث، أو استغواكم غاو، أو استنصركم ظالم، أو استعضدكم١١ خالع، إلا تبعتموه وآويتموه، ونصرتموه وزكيتموه؟ يا أهل العراق، هل شغب شاغب، أو نعب ناعب، أو زفر زافر إلا كنتم أتباعه وأنصاره؟ يا أهل العراق: ألم تنهكم المواعظ، ألم تزجركم الوقائع؟ ".

ثم التفت إلى أهل الشام وهم حول المنبر، فقال: "يا أهل الشام؛ إنما أنا لكم كالظليم١٢ الرامح عن فراخه، ينفي عنها المدر١٣، ويباعد عنها الحجر، ويكنها


١ أي يلوذ بعضهم ببعض: لاوذ لواذًا وملاوذة.
٢ أعطان جمع عطن كسبب: مبرك الإبل حول الحوض كالمعطن، ونوازع: أي مشتاقة.
٣ لا يلوي على أحد؛ أي لا يقف ولا ينتظر.
٤ في نهاية الأرب "عظكم" بالظاء: عظته الحرب كعضته بالضاد.
٥ جمع ملحمة وهي الوقعة العظيمة القتل.
٦ جمع هامة، وهي الرأس.
٧ موضعه، أي الأعناق، قال الشاعر:
بضرب بالسيوف رءوس قوم ... أزلنا هامهن عن المقيل
٨ جمع خترة، والختر كشمس: الغدر والخديعة أو أقبح الغدر.
٩ جمع نزوة، من نزا نزوانا: أي وثب.
١٠ غل كنصر غلولًا: خان.
١١ استعضده: سأله أن يعضده.
١٢ ذكر النعام، والرامح، أي المدافع، من رمحه: أي طعنه بالرمح.
١٣ قطع الطين اليابس.

<<  <  ج: ص:  >  >>