لما ملك نافع بن الأزرق -زعيم الأزارقة١- بلاد الأهواز، وفشا عماله في السواد ارتاع لذلك أهل البصرة؛ فاجتمعوا إلى الأحنف بن قيس، فشكوا ذلك إليه، وقالوا: ليس بيننا وبين العدو إلا ليلتان، وسيرتهم ما ترى، فقال الأحنف: إن فعلهم في مصركم إن ظفروا به كفعلهم في سوادكم؛ فجدوا في جهاد عدوكم، فاجتمع إليه عشرة آلاف، فأتى عبد الله بن الحارث بن نوفل أمير البصرة؛ فسأله أن يؤمر عليهم فاختار لهم مسلم بن عبيس، وكان دَيِّنًا شجاعًا، فأمره عليهم وشيعه.
١ قدمنا لك في مناظرة عبد الله بن الزبير للخوارج" أن الخوارج كانا قد مضوا إلى مكة سنة ٦٤ ليمنعوا الحرم من جيش يزيد، وناصروا ابن الزبير، وقاتلوا معه، ثم ناظروه: فلم يرقهم ما سمعوا منه، فتفرقوا عنه، وصارت طائفة كبيرة منهم إلى البصرة، وبايعوا نافع بن الأزرق الحنفي، وسموه أمير المؤمنين، وخرج بهم إلى الأهواز؛ فغلبوا عليها وعلى ما وراءها من أرض فارس وكرمان، ونسبوا إليه فقيل لهم: الأزارقة، وهذه الفرقة من أشد فرق الخوارج بأسًا، وأصلبها عودًا، وأكثرها عددًا وأحفلها حوادث وأنباء.