للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٧٦- خطبته حين ولي العراق "سنة ٧٥هـ": ١

حَدَّثَ عبدُ الملك بن عمير الليثي قال:

بينا نحن في المسجد الجامع بالكوفة، وأهل الكوفة يومئذ ذوو حال حسنة، يخرج الرجل منهم في العشرة والعشرين من مَوَاليه؛ إذ أتى آتٍ، فقال: هذا الحجاج قد قدم أميرًا على العراق؛ فإذا به قد دخل المسجدَ معتمًا بعمامة قد غطى بها أكثر وجهه متقلدًا سيفًا، متنكبًا٢ قوسًا، يؤم المنبر، فقام الناس نحوه حتى صعد المنبر، فمكث ساعة لا يتكلم، فقال الناس بعضهم لبعض: قَبَّحَ اللهُ بني أمية؛ حيث تستعمل مثل هذا على العراق! حتى قال عمير بن ضابئ البرجمي: ألا أحصبه لكم؟ فقالوا: أمهل حتى ننظر٣؛ فلما رأى عيون الناس إليه، حسر اللثام عن فيه، ونهض فقال:

"أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفونني٤


١ ويروى: أنه خرج يريد العراق واليًا عليها في اثني عشر راكبًا على النجائب، حتى دخل الكوفة فجأة حين انتشر النهار، فبدأ بالمسجد فدخله، ثم صعد المنبر فقال: علي بالناس، فحسبوه وأصحابه خوارج فهموا به.
٢ تنكب قوسه: ألقاها على منكبه.
٣ قال ابن نباتة "فلما سمعوا هذه الخطبة -وكان بعضهم قد أخذ حصى أراد أن يحصبه به- تساقط من أيديهم حزنًا ورعبًا".
٤ البيت لسحيم بن وثيل الرياحي؛ قاله الحجاج متمثلًا، وقوله "أنا ابن جلا" أي الواضح الأمر المنكشفه؛ وقيل ابن جلا الصبح، لأنه يجلو الظلمة. وهو مثل يضرب للمشهور المتعالم، أي أنا الظاهر الذي لا يخفى وكل أحد يعرفني، ولم ينون جلا لأنه أراد الفعل؛ فحكي على ما كان عليه قبل التسمية كقول الشاعر:
والله ما زيد بنام صاحبه ... ولا مخالط الليان جانبه
وتقديره أنا ابن الذي يقال له جلا الأمور وكشفها. وقال بعضهم: ابن جلا -وابن أجلى- رجل بعينه، قال في اللسان: "وكان ابن جلا هذا صاحب فتك يطلع في الغارات من ثنية الجبل على أهلها "والثنايا جمع ثنية: وهي الطريق في الجبل، أراد به أنه جلد يطلع الثنايا في ارتفاعها وصعوبتها، والعمامة: المغفر والبيضة قال ثعلب: العمامة تلبس في الحرب وتوضع في السلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>