للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: يا أهل الكوفة، أما والله إني لأحمل الشرَّ بحمله، وأحذوه بنعلِهِ، وأجزِيه بمثلِه، وإني لأرى أبصارًا طامحة، وأعناقًا متطاولة، ورءوسًا قد أينعت وحان قطافُها، وإني لصاحبها، وكأني أنظر إلى الدماء بن العمائم واللحى تترقرق، ثم قال:

هذا أوان الشد فاشتدي زِيَم ... قد لفها الليلُ بسواق حُطَم

ليس براعي إبلٍ ولا غنم ... ولا بجزارٍ على ظهرِ وَضَم١

ثم قال:

قد لفها الليلُ بعصلبي ... أروع خراج من الدَّوِّيّ

مهاجرٍ ليس بأعرابيّ٢

ثم قال:

قد شمرت عن ساقها فشُدُّوا ... وجدتِ الحربُ بكم فجِدُّوا

والقوس فيها وترٌ عُرُدُّ ... مثل ذراع البَكْرَ أو أشَدُّ

لابد مما ليس منه بُدُّ٣


١ الشعر لرويشد بن وميض المنبري والشد: العدو، وزيم: اسم فرس أو ناقة، وقيل اسم للحرب، والحطم: الراعي الظلومُ للماشية يهشمُ بعضها ببعض؛ فلا يبقى من السير شيئًا وقد ضرب المثل برعاة الغنم في الحمق فقيل: "أحمقُ من راعي ضأن ثمانين" قال الجاحظ في البيان والتبيين ١: ١٣٩ "فأما استحماق رعاة الغنم في الجملة فكيف يكون ذلك صوابًا؟ وقد رعى الغنم عدة من جلة الأنبياءِ عليهم السلام" والوضم: كل ما قطع عليه اللحم.
٢ العصلبي: الشديد القوي، والأروع: الذكي، أو من يعجبك بشجاعته، والدو والدوية والداوية ويخفف: الفلاة المتسعة التي تسمع لها دويًّا بالليل؛ "وإنما ذلك الدوي من أخفاف الإبل، تنفسح أصواتها فيها، وتقول جهلةُ الأعرابِ: إن ذلك عزيفُ الجنِّ" أي: خراج من كل غماء شديدة، وهجر الرجل: خرج من البدو إلى المدن، والأعرابيُّ بطبيعته غِرٌّ ساذج ليس في تجربته كأهل المدن.
وسيرد عليك إن شاء الله في الجزء الثالث في خطبة أبي بكر بن عبد الله بالمدينة: "إني لست أتاويًّا أعلَّم، ولا بدويًّا أفهَّم".
٣ حد به الأمر: اشتد، وعرد: أي شديد، والبكر: الفتيُّ من الإبل، ولا بد من كذا: أي لا محيد عنه.
"١٩ -جمهرة خطب العرب- ثان".

<<  <  ج: ص:  >  >>