"أيها المهدي: أما الموالي فأخذوا بفروع الرأي، وسلكوا جنبات الصواب، وتعدّوا أمورًا قصّر بنظرهم عنها، وأَنِه لم تأتِ تجاربهم عليها. وأما الفضل فأشار بالأموال ألا تُنْفَق، والجنودِ ألا تُفَرَّق، وبأن لا يُعْطَى القوم ما طلبوا، ولا يُبْذَل لهم ما سألوا. وجاء بأمر بين ذلك استصغارًا لأمرهم، واستهانةً بحربهم. وإنما يهيج جَسيمات الأمور صغارُها.
وأما عليّ فأشار باللين وإفراط الرِّفْق. وإذا جَرَّد الوالي لمن غِمَط أمره وسَفِه حقَّه، اللين بَحْتًا، والخير محضًا. لم يخلطهما بشدة تعطِف القلوب عن لينه. ولا بشر يَخْبِسهم إلى خيره. فقد ملَّكهم الخلعَ لعذرهم. ووسع لهم الفُرْجة لِثَنْي أعناقهم. فإن أجابوا دعوته. وقبلوا لينه من غير خوف اضطرهم ولا شدة. فَنَزْوَة١ في رءوسهم يستدعون بها البلاءَ إلى أنفسهم. ويستصرخون بها رأي المهدي فيهم. وإن لم يقبلوا دَعْوَتَه. ويسرعوا لإجابته باللين المحض، والخير الصُّراح. فذلك ما عليه الظن بهم، والرأيُ فيهم، وما قد يشبه أن يكون من مثلهم. لأن الله تعالى خلق الجنة. وجعل فيها