للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢ خطبته وقد أرتج عليه:

وخطب داود بن علي، فحمد الله جل وعز، وأثنى عليه، صلى الله عليه وسلم، فلما قال: أما بعد، وامتنع عليه الكلام، ثم قال:

"أما بعد، فقد يجد المعسر، ويعسر الموسر، ويفل الحديد، ويقطع الكليل، وإنما الكلام بعد الإفحام، كالإشراق بعد الإظلام، وقد يغزب البيان، ويعقم الصواب، وإنما اللسان، مضغة من الإنسان، يفتر بفتوره إذا نكل، ويثوب بانبساطه إذا ارتجل، ونحن بعد أمراء القول لا ننطق بطرًا، ولا نسكت حصرًا، بل نسكت معتبرين، وننطق مرشدين، ونحن بعد أمراء القول، فينا وشجت١ أعراقه، وعلينا عطفت أغصانه ولنا تهدلت ثمرته، فنتخير منه ما احلولى وعذب، ونطرح منه ما املولح وخبث، ومن بعد مقامنا هذا مقام، وبعد أيامنا أيام، ويعرف فيها فضل البيان، وفصل الخطاب والله أفضل مستعان" ثم نزل٢.

"كتاب الصناعتين ص٢١، وأمالي السيد المرتضى ٤: ١٩، وزهر الآداب ٢: ٢٨٥".


١ وشجت العروق والأغصان كوعه وشجا ووشيجا: اشتبكت، والواشجة: الرحم المشتبكة.
٢ وروى الحصري في زهر الآداب بعض هذا القول وعزاه إلى عبد الملك بن صالح، وروى السيد المرتضى في أماليه قال:
"صعد أبو العباس السفاح المنبر، فأرتج عليه فقال: "أيها الناس، إن اللسان، بضعة من الإنسان، يكل إذا كل، وينفسح بانفساحه إذا فسح، ونحن أمراء الكلام، منا تفرعت فروعه، وعلينا تهدلت غصونه، ألا وإنا لا نتكلم هذرًا، ولا نسكت إلا معتبرين" ثم نزل، فبلغ ذلك أبا جعفر، فقال: "لله هو لو خطب بمثل ما اعتذر، لكان من أخطب الناس" وهذا الكلام يروى لداود بن علي أ. هـ.
والبضعة بفتح الباء وقد تكسر: القطعة من اللحم، والهذر بالتحريك: سقط الكلام وبسكون الذال مصدر هذر في منطقة كضرب ونصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>