للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٧- خطبة أخرى له بعد البيعة:

وقال الطبري: نادى منادي أبي بكر من بعد الغد من متوفى رسول الله صلى الله صلى عليه وسلم: ليتم بعث أسامة: ألا لا يبقين بالمدينة أحد من جند أسامة إلا خرج إلى عسكره، وقام في الناس، فحمد لله وأثنى عليه ثم قال:

"يا أيها الناس: إنما أنا مثلكم، وإني لا أدري لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق. إن الله اصطفى محمدًا على العالمين، وعصمه من الآفات، وإنما أنا متبع، ولست بمبتدع، فإن استقمت فتابعوني، وإن زغت فقوموني: وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض، وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة١ ضربة سوط فما دونها، ألا وإن لي شيطانًا٢ يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني، لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم٣، ألا وإنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال، فإن قومًا نسوا آجالهم، وجعلوا أعمالهم لغيرهم؛ فإياكم أن تكونوا أمثالهم، الجد الجد، والوحا٤ الوحا، والنجاء٥ النجاء؛ فإن وراءكم طالبًا حثيثًا٦ أجلًا مره سريع، احذروا الموت واعتبروا بالآباء والأبناء والإخوان، ولا تغبطوا٧ الأحياء إلا بما تغبطون به الأموات".

"تاريخ الطبري ٣: ٢١١، وشرح ابن الحديد م٤: ص١٦٧".


١ الظلامة.
٢ قال ابن أبي الحديد: وأراد بالشيطان الغضب، ولم يرد أن له شيطانًا من مردة الجن يعتريه إذا غضب، ولو كان له شيطان من الجن يعتاده وينوبه لكان في عداد المصروعين من المجانين، وما ادعى أحد على أبي بكر هذا لا من أوليائه ولا من أعدائه.
٣ أبشار جمع بشر، وهو جمع بشرة: وهي ظاهر الجلد.
٤ العجلة والإسراع، وحى وتوحى: أسرع، ووحاه، عجله.
٥ الإسراع أيضًا.
٦ سريعًا.
٧ غبطه: تمنى مثل حاله من غير أن يريد زوال نعمته عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>