وروي أنه لما دفن سليمان بن عبد الملك، وخرج من قبره، سمع للأرض رجة، فقال: ما هذه؟ فقيل: هذه مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين، قربت إليك لتركبها، فقال: ما لي ولها؟ نحوُّها عني، قربوا إلي بغلتي، فقربت إليه، فركبها. وجاءه صاحب الشرطة يسير بين يديه بالحربة، فقال: تنحَّ عني، ما لي ولك؟ إنما أنا رجل من المسلمين، فسار، وسار معه الناس، حتى دخل المسجد، فصعد المنبر، واجتمع إليه الناس، فقال:
"أيها الناس: إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم".
فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضينا بك، فَلِ أمرنا باليمن والبركة، فلما رأى الأصوات قد هدأت، ورضي به الناس جميعًا، حمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال:
"أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خَلَفٌ من كل شيء، وليس من تقوى الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَفٌ، واعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أمر دنياه وأصلحوا سرائركم، يصلح الله الكريم علانيتكم، وأكثروا ذكرَ الموت، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه هادم اللذات، وإن من لا يذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم عليه السلام أبًا حيًّا لمعرق في الموت، وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عَزَّ وَجَلَّ، ولا في نبيها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا في كتابها، وإنما اختلفوا في الدنيار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحدًا باطلا، ولا أمنع أحدًا حقًّا، إني لست