للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٩٥- يزيد بن أبي مسلم وسليمان بن عبد الملك:

لما ولي سليمان بن عبد الملك، أتي بيزيد بن أبي مسلم: مولى الحجاج، في جامعة١، وكان رجلًا دميمًا تقتحمه٢ العين؛ فلما رآه سليمان قال: لعن الله امرأ أجرك رسنك٣، وولى مثلك، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك رأيتني والأمر عني مدبر، ولو رأيتني والأمر علي مقبل، لاستعظمت من أمري ما استصغرت، ولاستجللت ما استحقرت، فقال له سليمان: "أين ترى الحجاج، أيهوي في النار، أم قد استقر في قعرها؟ "، فقال: "يا أمير المؤمنين: لا تقل هذا، إن الحجاج قمع لكم الأعداء، ووطأ لكم المنابر، وزرع لكم الهيبة في قلوب الناس، وبعد فإنه يأتي يوم القيامة عن يمين أبيك، وشمال أخيك الوليد، فضعه من النار حيث شئت"، فصاح سليمان: اخرج إلى لعنة الله، ثم التفت إلى جلسائه، فقال: قبحه الله ما كان أحسن ترتيبه لنفسه ولصاحبه، ولقد أحسن المكافأة، أطلقوا سبيله.

"أمالي السيد المرتضى ١: ٢١٥، والعقد الفريد ١: ١٥٠، ومروج الذهب ٢: ١٦٤، والبيان والتبيين ١: ٢١٠"


١ الجامعة: القيد.
٢ تزدريه.
٣ الرسن: الحبل، وأجره رسنه: تركه يصنع ما شاء، يعني الحجاج، وكان سليمان يكتب إلى الحجاج في أيام أخيه الوليد بن عبد الملك كتبًا فلا ينظر له فيها، فحقد عليه، وكتب إليه كتابًا شديد اللهجة، وفيه يقول "وايم الله لئن أمكنني الله منك لأدوسنك دوسة تلين منها فرائصك، ولأجعلنك شريدًا في الجبال، تلوذ بأطراف الشمال" ويقول: فرويدك حتى تنظر كيف يكون مصيرك إن كانت بي وبك مدة أتعلق بها "فرد عليه الحجاج بكتاب يقول فيه: "ولعمري إنك لصبي حديث السن تعذر بقلة عقلك، وحداثة سنك، ويرقب فيك غيرك" ويقول: "جمعت أمورًا دلاك فيها الشيطان على أسوأ أمرك؛ فكان الجفاء من خليقتك، والحمق من طبيعتك، وأقبل الشيطان بك وأدبر ... إلخ" انظر العقد الفريد ج٣ ص١٦، وقد مات الحجاج قبل أن يتولى سليمان الخلافة بسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>