{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} أو لقولهم: شرينا الآخرة بالدنيا، أي اشتريناها"؛ فلما كان وقت الحج وجه ابن يحيى أبا حمزة "وهو المختار بن عوف الأزدي ثم السلمي من أهل البصرة" إلى مكة؛ فأقبل إليها يوم التروية "وهو ثامن ذي الحجة" وعليها وعلى المدينة عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، فكره عبد الواحد قتالهم، ثم خلى مكة لهم، فدخلها أبو حمزة بغير قتال، ومضى عبد الواحد إلى المدينة؛ فجهز جيشًا لقتالهم أمر عليه عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، فسار حتى نزل قديدا "وقديد كزبير" وبلغ أبا حمزة إقبال أهل المدينة إليه؛ فاستخلف على مكة، وشخص إليهم، وبعث إليهم يسألهم أن يكفوا عنهم، ويقول لهم: خلوا سبيلنا إلى الشام لنسير إلى من ظلمكم، وجار في الحكم عليكم، ولا تجعلوا حدنا بكم، فإنا لا نريد قتالكم، فشتمهم أهل المدينة وقالوا: يا أعداء الله: أنحن نخليكم وندعكم تفسدون في الأرض؟ فقال الخوارج: يا أعداء الله أنحن نفسد في الأرض؟ إنما خرجنا لنكف أهل الفساد، ونقاتل من قاتلنا، واستأثر بالفيء، فانظروا لأنفسكم، واخلعوا من لم يجعل الله له طاعة؛ فإنه لا طاعة لمن عصى الله، فادخلوا في السلم، وعاونوا أهل الحق، فأبوا عليهم، ونشب القتال بينهم، فهزمهم أبو حمزة هزيمة لم يبق بعدها منهم باقية، وقد بلغت قتلى قديد ألفين ومائتين وثلاثين رجلًا، منهم من قريش أربعمائة وخمسون، ودخل أبو حمزة المدينة لثلاث عشرة بقيت من صفر سنة ١٣٠هـ، وهرب عبد الواحد بن سليمان إلى الشام.