تسيير معاوية عبد الله بن عامر الحضرمي إليها ومقتله.
لما قتل محمد بن أبي بكر بمصر وظهر معاوية عليها "سنة ٣٨هـ" دعا عبد الله بن عامر الحضرمي، فقال له: "سر إلى البصرة فإن جل أهلها يرون رأينا في عثمان، ويعظمون قتله، وقد قتلوا في الطلب بدمه، فهم موتورون حنقون لما أصابهم، ودوا لو يجدون من يدعوهم ويجمعهم، وينهض بهم في الطلب بدم عثمان، ودفع إليه كتابًا، وأمره إذا قدم أن يقرأه على الناس١، فمضى حتى نزل البصرة في بني تميم، فسمع بقدومه أهل البصرة، فجاءه كل من يرى عثمان، فاجتمع إليه رءوس أهلها.
١ وكان الذي سدد لمعاوية رأيه في تسريح ابن الحضرمي كتاب كتبه إليه عباس بن صحار العبدي، وفيه: "أما بعد: فقد بلغنا وقعتك بأهل مصر الذين بغوا على إمامهم، وقتلوا خليفتهم طمعًا وبغيًا، فقرت بذلك العيون، وشفيت بذلك النفوس، وبردت أفئدة أقوام كانوا لقتل عثمان كارهين، ولعدوه مفارقين، ولكم موالين، وبك راضين، فإن رأيت أن تبعث إلينا أميرًا طيبًا ذكيًّا ذا عفاف ودين إلى الطلب بدم عثمان فعلت، فإني لا إخال الناس إلا مجمعين عليك، وإن ابن عباس غائب عن المصر والسلام" فكتب إليه معاوية "أما بعد: فقد قرأت كتابك، فعرفت نصيحتك، وقبلت مشورتك. رحمك الله وسددك، اثبت هداك الله على رأيك الرشيد، فكأنك بالرجل الذي سألت قد أتاك، وكأنك بالجيش قد أطل عليك، فسررت وحييت والسلام".