للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٥١- خطبة له في سب أهل المدينة وتقريعهم:

وخطب المدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

"يا أهل المدينة: مالي رأيت رسم الدبن فيكم قيًا، وآثاره دراسة، لا تقبلون عظته ولا تفقهون من أهله حجة، قد بليت فيكم حدته، وانطمست عنكم سنته، ترون معروفه منكرًا، والمنكر من غيره معروفًا، إذا انكشفت لكم العبر، وأوضحت لكم النذر١، عميت عنها أبصاركم، وصمت عنها أسماعكم، ساهين في غمرة، لا هي في غفلة، تنبسط قلوبكم للباطل إذا نشر، وتنقبص عن الحق إذا ذكر، مستوحشة من العلم، مستأنسة بالجهل، كلما وقعت عليها موعظة زادتها عن الحق نفوقًا، تحملون قلوبًا في صدوركم كالحجارة أو أشد قسوة من الحجارة، أو لم تلن لكتاب الله الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله، يا أهل المدينة، ما تغني عنكم صحة أبدانكم إذا سقمت قلوبكم، إن الله قد جعل لكل شيء سببًا غالبًا ينقاد له، ويطيع أمره، وجعل القلوب غالبة على الأبدان؛ فإذا مالت القلوب ميلًا، كانت الأبدان لها تبعًا، وإن القلوب لا تلين أهلها إلا بصحتها، ولا يصححها إلا المعرفة بالله، وقوة النية، ونفاذ البصيرة، ولو استشعرت تقوى الله قلوبكم، لاستعملت في طاعة الله أبدانكم، يا أهل المدينة: داركم دار الهجرة، ومثوى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نبت به داره، وضاق به قراره، وآذاه الأعداء وتجهمت٢ له، فنقله الله إليكم، بل إلى قوم لعمري لم يكونوا أمثالكم، متوازرين مع الحق على الباطل، مختارين الآجل على العاجل، يصبرون للضراء رجاء ثوابها، فنصروا الله، وجاهدوا في سبيله، وآووا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونصروه، واتبعوا النور


١ النذر: جمع نذير، وهو المنذر.
٢ تجهمه وتجهم له: استقبله بوجه كريه.

<<  <  ج: ص:  >  >>