للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا بطرًا، ولا عبثًا، ولا لهوًا، ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيه، ولا لثأر قديم نيل منا؛ ولكنا لما رأينا مصابيح الحق قد أطفئت، ومعالم العدل قد عطلت، وكثر الادعاء في الدين وعمل بالهوى، وعنف القائل بالحق، وقتل القائم بالقسط، ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وسمعنا داعيا١ يدعو إلى طاعة الرحمن، وحكم القرآن؛ فأجبنا داعي الله ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز٢ في الأرض؛ فأقبلنا من قبائل شتى، النفر٣ منا على بعير واحد، عليه زادهم وأنفسهم، يتعاورون لحافًا واحدًا، قليلون مستضعفون في الأرض، فآوانا الله وأيدنا بنصره، وأصبحنا والله جميعًا بنعمته إخوانًا، وعلى الدين أعوانًا، ثم لقيَنَا رجالُكم بقُدَيْد فدعوناهم إلى طاعة الرحمن، وحكم القرآن، ودعونا إلى طاعة الشيطان، وحكم مروان وآل مروان؛ فشتان لعمر الله ما بين الغي والرشد! ثم أقبلوا يهرعون ويزفون٤، قد ضرب الشيطان بجرانه٥، وغلت بدمائهم مراجله، وصدق عليهم إبليس ظنه، وأقبل أنصار الله عصائب وكتائب، بكل مهند ذي رونق، فدارت رحالنا واستدارت رحاهم بضرب يرتاب منه المبطلون.

وأنتم يا أهل المدينة إن تنصروا مروان وآل مروان يسحتكم٦ الله بعذاب من عنده أو بأيدينا، ويشف صدور قوم مؤمنين، يا أهل المدينة إن أولكم خير أول، وآخركم شر آخر، يا أهل المدينة: الناس منا ونحن منهم؛ إلا مشركًا عابد وثن، أو كافرًا من أهل الكتاب، أو إمامًا جائرًا أو شادًا على عضده، يا أهل المدينة: من زعم أن الله تعالى كلف نفسًا فوق طاقها، أو سألها ما لم يؤتها، فهو لله عدو ولنا حرب٧".

"تاريخ الطبري ٩: ١٠٨ الأغاني ٢٠: ١٠٤،وشرح ابن أبي الحديد م١ ص٤٥٨، والعقد الفريد ٢: ١٦١"


١ يريد عبد الله بن يحيى الكندي.
٢ أي لا يعجز الله بالهرب منه فيفوته.
٣ النفر: جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة.
٤ زف الظليم وغيره كضرب زفًا وزفيفًا وزفوفًا، وأزف: أسرع.
٥ جران البعير: مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره: أي استولى عليهم.
٦ أسحته: استأصله.
٧ روي أنه قال عقب ذلك: "يا أهل المدينة أخبروني عن ثمانية أسهم فرضها الله تعالى في كتابه على القوي، على حبه الضعيف؛ فجاء تاسع، ليس له منها ولا سهم واحد، فأخذ جميعها لنفسه مكابرًا محاربًا لربه، ما تقولون فيه وفيمن عاونه على فعله؟ يا أهل المدينة بلغني أنكم تنتقصون أصحابي ... إلخ" وقد حذفته هنا لوروده في الخطبة السالفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>