للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٥٠- خطبة علي فيهم وقد عادوا إلى مواقفهم:

ولما رأى الإمام كرم الله وجهه ميمنته قد عادت إلى مواقفها ومصافها، وكشفت من بإزائها من عدوها، حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم، أقبل حتى انتهى إليهم فقال:

"إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم، يحوزكم الطغاة الجفاة، وأعراب أهل الشأم، وأنتم لهاميم١ العرب، والسنام الأعظم، وعمار الليل بتلاوة القرآن، وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون. فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكركم بعد انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولي يوم الزحف دبره، وكنتم من الهالكين، ولكن هون وجدي، وشفى بعض أحاح٢ نفسي، أني رأيتكم بأخرة٣ حزتموهم كما حازوكم، وأزلتموهم عن مصافكم كما أزالوكم، تحسونهم٤ بالسيوف تركب أولاهم أخراهم كالإبل المطرودة الهيم٥، فالآن فاصبروا؛ نزلت عليكم السكينة، وثبتكم الله عز وجل باليقين، وليعلم المنهزم أنه مسخط ربه، وموبق٦ نفسه، إن في الفرار موجدة٧ الله عز وجل عليه، والذل اللازم له، والعار الباقي، واعتصار الفيء من يده، وفساد العيش عليه، وإن الفار لا يزيد الفرار في عمره، ولا يرضي ربه، فموت المرء محقا قبل إتيان هذه الخصال، خير من الرضا بالتلبس بها والإصرار عليه".

"تاريخ الطبري ٦: ١٣، وشرح ابن أبي الحديد م ١: ص ٤٨٨".


١ اللهمم، واللهيم "بكسر اللام والميم فيهما": السابق الجواد من الحيل والناس.
٢ الأحاح: الغيظ وحرارة الغم.
٣ يقال: جاء أخرة وبأخرة محركتين وقد يضم أولهما أي آخرًا.
٤ من الحس بالفتح: وهو القتل والاستئصال.
٥ العطاش: جمع أهيم وهيماء "والهيام بالضم: أشد العطش".
٦ مهلك.
٧ أي غضبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>