للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي أنزل معه، وآثروا الله على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة١. قال الله تعالى لأمثالهم ولمن اهتدى بهداهم: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، وأنتم أبناؤهم ومن بقي من خلفهم، تتركون أن تقتدوا بهم، أو تأخذوا بسنتهم، عمي القلوب، صم الآذان، اتبعتم الهوى؛ فأرداكم عن الهدى وأسهاكم؛ فلا مواعظ القرآن تزجركم فتزدجرون، ولا تعظكم فتعتبرون، ولا توقظكم فتستيقظون، لبئس الخلف أنتم من قوم مضوا قبلكم، ما سرتم بسيرتهم، ولا حفظتم وصيتهم، ولا احتذيتم مثالهم، لو شقت عنهم قبورهم، فعرضت عليهم أعمالكم، لعجبوا كيف صرف العذاب عنكم! ".

"الأغاني ٢٠: ١٠٥، وشرح ابن أبي الحديد م١: ص٤٥٨"

وجاء في رواية العقد الفريد:

"يا أهل المدينة: أولكم خير أول، وآخركم شر آخر، إنكم أطعتم قراءكم وفقهاءكم فاختانوكم٢ عن كتاب غير ذي عوج، بتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين؛ فأصبحتم عن الحق ناكبين٣، أمواتًا غير أحياء وما تشعرون، يا أهل المدينة: يا أبناء المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ما أصح أصلكم، وأسقم فرعكم! كان آباؤكم أهل اليقين، وأهل المعرفة بالدين، والبصائر النافذة، والقلوب الواعية، وأنتم أهل الضلالة والجهلة، استعبدتكم الدنيا فأدلتكم، والأماني فأضلتكم فتح الله لكم باب الدين فسددتموه، وأغلق عنكم باب الدنيا ففتحتموه، سراع إلى الفتنة، بطاء عن السنة، عمي عن البرهان، صم عن العرفان، عبيد الطمع، حلفاء الجزع، نعم ما ورَّثكم آباؤكم لو حفظتموه، وبئس ما تورثون أبناءكم إن تمسكوا به، نصر الله آباءكم على الحق، وخذلكم على الباطل، كان عدد آبائكم قليلًا طيبًا، وعددكم كثير


١ الخصاصة: الفقر.
٢ خانوكم.
٣ أي عادلين عنه منصرفين.

<<  <  ج: ص:  >  >>