للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشدائد، عالمًا بما يأتي من النوازل، يضع الأمور مواضعها، والطوارق أماكنها، قد نظر في كل فن من فنون العلم فأحكمته، فإن لم يحكمه، أخذ منه بمقدار يكتفي به، يعرف بغريزة عقله، وحسن أدبه، وفضل تجربته ما يرد عليه قبل وروده، وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدوره، فيعد لكل أمر عدته وعتاده١، ويهيئ لكل وجه هيئته وعادته، فتنافسوا، يا معشر الكتاب، في صنوف الآداب، وتفقهوا في الدين، وابدءوا بعلم كتاب الله عز وجل والفرائض، ثم العربي؛ فإنها ثقاف٢ ألسنتكم، ثم أجيدوا الخط، فإنه حلية كتبكم، وارووا الأشعار، واعرفوا غريبها ومعانيها، وأيام العرب والعجم، وأحاديثها وسيرها، فإن ذلك معين لكم على ما تسمو إليه هممكم، ولا تضيعوا النظر في الحساب، فإنه قوام كتاب الخراج، وارغبوا بأنفسكم عن المطامع سنيها٣، ودنيها، وسفساف٤ الأمور ومحاقرها؛ فإنها مدلة للرقاب، مفسدة للكتاب، ونزهوا صناعتكم عن الدناءات، واربئوا٥ بأنفسكم عن السعاية والنميمة، وما فيه أهل الجهالات، وإياكم والكبر والصلف والعظمة، فإنها عداوة مجتلبة من غير إحنة، وتحابوا في الله عز وجل في صناعتكم، وتواصوا عليها بالذي هو أليق بأهل الفضل والعدل والنبل من سلفكم.

وإن نبا الزمان برجل منكم فاعطفوا عليه وواسوه، حتى يرجع إليه حاله، ويثوب٦ إليه أمره، وإن أقعد أحدكم الكِبَرُ عن مكبه ولقاء إخوانه، فزوروه وعظموه وشاوروه، واستظهروا٧ بفضل تجربته وقدم معرفته، وليكن الرجل منكم على من اصطنعه واستظهر به ليوم حاجته إليه، أحفظ منه على ولده وأخيه، فإن عرضت في الشغل محمدة، فلا يضيفها إلا إلى صاحبه، وإن عرضت مذمة، فليحملها.


١ العتاد: العدة.
٢ الثقاف في الأصل: ما تسوى به الرماح.
٣ رفيعها.
٤ الرديء من كل شيء.
٥ ربأ: علا وارتفع.
٦ يرجع.
٧ تقووا.

<<  <  ج: ص:  >  >>