للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو من دونه، وليحذر السقطة والزلة، والملل عند تغير الحال، فإن العيب إليكم معشر الكتاب، أسرع منه إلى القراء، وهو لكم أفسد منه لها.

فقد علمتم أن الرجل منكم إذا صحبه الرجل، يبذل له من نفسه ما يجب له عليه من حقه؛ فواجب عليه أن يعتقد له من وفائه، وشكره، واحتماله، وصبره، ونصيحته، وكتمان سره، وتدبير أمره، ما هو جزاء لحقه، ويصدق ذلك بفعاله عند الحاجة إليه، والاضطرار إلى ما لديه.

فاستشعروا ذلكم -وفقكم الله من أنفسكم- في حالة الرخاء والشدة والحرمان والمواساة والإحسان، والسراء والضراء؛ فنعمت الشيمة هذه لمن وسم بها من أهل هذه الصناعة الشريفة، فإذا ولي الرجل منكم، أو صير إليه من أمر خلق الله وعياله أمر؛ فليراقب الله عز وجل، وليؤثر طاعته، وليكن على الضعيف رفيقا، وللمظلوم منصفا، فإن الخلق عيال الله، وأحبهم إليه أرفقهم بعياله، ثم ليكن بالعدل حاكمًا، وللأشراف مكرمًا، وللفيء موفرا، وللبلاد عامرًا، وللرعية متألفا، وعن إيذائهم متخلفًا، وليكن في مجلسه متواضعًا حليمًا، وفي سجلات خراجه واستقضاء حقوقه رفيقًا، وإذا صحب أحدكم رجلًا فليختبر خلائقه، فإذا عرف حسنها وقبيحها؛ أعانه على ما يوافقه من الحسن، واحتال لصرفه عما يهواه من القبيح، بألطف حيلة، وأجمل وسيلة، وقد علمتم أن سائس البهيمة إذا كان بصيرًا بسياستها، التمس معرفة أخلاقها، فإن كانت رموحًا١ لم يهجها إذا ركبها، وإن كانت شبوبًا٢ اتقاها من قبل يديها، وإن خاف منها شرودًا توقاها من ناحية رأسها، وإن كانت حرونًا قمع برفق هواها في طريقها، فإن استمرت غطفها يسيرًا؛ فيسلس له قيادها، وفي هذا الوصف من السياسة دلائل لمن ساس الناس وعاملهم، وخدمهم وداخلهم.

والكاتب بفضل أدبه، وشريف صنعته، ولطيف حيلته، ومعاملته لمن يحاوره


١ رمحه الفرس كمنع: رفسه.
٢ شب الفرس كضرب ونصر: رفع يديه.

<<  <  ج: ص:  >  >>